(من الصحاح)[٣٢٩٤] حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الفطرة خمس) الحديث. قد ذكرنا فيما تقدم من الكتاب معنى الفطرة، والوجوه التي تتصرف عليها، والكل راجع إلى معنى الابتداء بالشيء وإبداعه. وقد فسرت في هذا الحديث، وفيما يجري مجراه من الأحاديث بالسنة؛ نظرا إلى أنها من سنن الأنبياء المعزبة إليهم في أول الوضع.
فإن قيل: فكيف [التوفيق] بين هذا الحديث وبين حديث عائشة (شعر من الفطرة) قلنا: هو أن نقول: يحتمل أنه أشار بهذا الحديث إلى معظمها، ويحتمل أنه أراد به حصر ما يختص بالتناول في سنة الأنبياء من الفضولات والزوائد المتصلة بالبدن، فإنها لا تتعدى عن هذه الخمس.
[٣٢٩٥] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر- رضي الله عنه- (واحفوا الشوارب): أحفوا مقطوعة الألف أي: بالغوا في أخذها حتى تلزقوا الجز بالشفة. والأصل في الإحفاء: الاستقصاء في الكلام. وفي معناه:(انهكوا الشوارب) في الرواية الأخرى، والنهك: يستعمل في الطعام والشتم والعقوبة والقتال وغير ذلك. ويراد منه: المبالغة في ذلك الشيء. ومنه الحديث:(انهكوا الأعقاب أو لتنهكنها النار) أي: بالغوا في غسلها. وتنظيفها في الوضوء. وفي الرواية الأخرى:(واعفوا اللحى) هو مثل قوله: (أوفروا اللحى) أي: لا تأخذوا منها حتى تكثر. يقال: عفا البنت والشعر وغيرهما أي: كثر. وعفوته أنا وأعفيته، لغتان: إذا فعلت به ذلك. وعلى هذا فللراوي أن يقطع الهمزة ويوصلها.