بحقيقة ذلك، وهو الراوي لذلك الحديث، ومما يؤيد ذلك حديث ابن عباس:(وأنصف صاع قمح)، وقد رواه أيضاً غيره، وقد اختار أبو داود في كتابه هذه الرواية التي نصرناها.
ومن باب من لا تحل له الصدقة
(من الحسان)
[١٢٤٣] حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)، المرة: القوة. من قولهم: أمررت الحبل: إذا فتلته، والمرير والممر: المفتول. وفلان ذو مرة: أي قوي محكم القتل. وسوي: أي قويم الخلق معتدله، كأنه المستوي في الخلقة على طريق الاستقامة، المصون عن الإعوجاج في طرفي الإفراط والتفريط.
فأما تأويل الحديث وتقرير معناه عند من لا يرى القوة على الكسب محرمة للصدقة على الفقير، فإنه يقول: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذاً، لما بعثه إلى اليمن، أن يأخذ الصدقة من أغنياء المسلمين، فيضعها في فقرائهم، فكان الأغنياء منهم هم المأخوذ منهم، ومن سواهم ممن لم يؤثر بالأخذ منهم غير أغنياءهم الفقراء، فأخذنا بذلك؛ لأنه آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعطي الصدقة فقراء أصحابه، وأكثرهم أصحاء أقوياء، لا زمانة بهم. في حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه قال:(أمرني رسول - صلى الله عليه وسلم - على قومي، فقلت: يا رسول الله: اعطني من صدقاتهم، ففعل وكتب لي بذلك كتاباً، فاتاه رجل فقال: يا رسول الله، اعطني من الصدقة، فقال: (إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزاها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الصدائي وأعطاه من الصدقة، ولم يكن ليؤمره إلا وهو صحيح البدن، سوي الخلق، ثم لم يمنعه ذلك (١٤٦/أ)