على ما جار وهذا باطل، وإنما المراد من الغلبة في كلا الصيغتين: أن يمنعه إحداهما عن الأخرى فلا يجوز في حكمه أو لا يعدل، وأرى في قوله:(من طلب قضاء المسلمين) تنبيهاً على أن الذي لم يطلبه ولم يلتبس به اختياراً ورغبة أهون عقوبة من الذي اختاره.
ومن باب رزق الولاة وهداياهم
(من الصحاح)
[٢٧٢٠] حديث عائشة- رضي الله عنها- لما استخلف أبو بكر- رضي الله عنه- قال:(لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي) وأراد بالحرفة هنا الصناعة وهي: ما كان يتعنى به من الكسب. يقال: هو يحرف لعياله أي: يكسب من هاهنا وهاهنا. أي: قد علمت قريش أن الذي كنت أتعامل فيه وأتعانى به من الكسب كان يقوم مؤنة أهلي. يريد: أني شغلت اليوم بأمر المسلمين، فلا سبيل لي إلى التفرغ لما كنت بصدده (فسيأكل آل أبي بكر) يعني: أهله وعياله. وآل الرجل: من يئول إليه في دين أو مذهب أو نسب، وقد يطلق على الشخص نفسه. [وقد مر بيانه فيما تقدم. وفي نسق الكلام نوع من (الإشارة) على أنه أراد بآل أبي بكر نفسه] وهو قوله: (ويحترف للمسلمين) أي: يكتسب بالتصرف في أموال المسلمين للمسلمين بدل ما يتناول من ذلك [قلت:] ويعرب كلامه هذا عما أسره من إخلاص العمل لله، والأخذ بحقائق الأمور، والتنزه عما عسى أن يحدث شائبة شبهة، أو يورث خلجة في الصدور؛ ذلك أنه رأى أن يجعل سعيه في استزادة مال الله وتنميته، عوض ما يأكل منه. ولم ير أن يأكل بالخلافة وبما يقوم به من أمر الدين، وإن كان في فسحة من ذلك، ولم يرض بذلك أيضاً ولم يقدم عليه [٩٧/ب] إلا بعد أن ألجئ إليه، فإنه لما بويع رؤى عصر يومه ذلك وعلى منكبه أثواب مطوية يعرضها للبيع، فاستعظم ذلك المسلمون وطفقوا يقولون: أصبح خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيع ويشتري في السوق، فتألبوا عليه وكلموه كلاماً شديداً، ثم قالوا: خذ من مال الله أو من أموالنا أكثر ما كنت تنال من كسبك؟ فقال: أعهد عهده إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: لا، قال: أفتأمروني أن أحدث بدعة؟ فلما ألحوا عليه ورأى أنهم مصيبون في قصدهم عما يرون من تعظيم أمر الخلافة والاهتمام بها كل الاهتمام؛ قال قوله هذا، ثم