للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن باب البيان والشعر

(من الصحاح)

[٣٥٩٦] حديث ابن عمر: (قدم رجلان من الشرق فخطبا ...) الحديث

يحسب أكثر الناس أن هذا القول مورده مورد المدح، وليس الأمر على ما توهم، بل ورد مورد الذم، والمراد منه أن من البيان نوعاً يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر، فإن السحر من شأنه أن يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقاً، وكذلك المعجب بحسن البيان وترصيف النظم يُرى الباطل في لبسة الحق، والحق في لبسة الباطل، وهو أن المتكلم بمهارته في البيان ومعرفة تصرف القول يَسلُبُ العقل بتفنُّته في البلاغة، ويشغل السامع عن التفكير فيه والتدبر له، حتى يخيل إليه الباطل حقاً، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جنس البيان وإن كان محموداً فإن فيه ما يذم للمعنى الذي ذكرناه، وأن جنس الشعر وإن كان مذموماً فإن فيه ما يُحمد، للمعنى الذي ذكرناه لاشتماله على الحكمة.

ويبين المعنى الذي ذهبنا لإليه قوله في حديث بريدة في آخر هذا الباب: (إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً ....) الحديث.

والبيان: اجتماع الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب مع اللسن، وكان هذا القول منه عند قُدوم وفد بني تميم، وكان فيهم قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم، ففخر الزبرقان فقال: (يا رسول الله: أنا سيد تميم، والمطاع فيهم والمجاب، أنعهم من الظلم، وآخذ لهم بحقوقهم، وهذا يعلم ذلك -يعني عمرو بن الأهتم، فقال عمرو بن الأهتم: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه، مطاع في أذنيه. فقال الزبرقان: والله، يا رسول لقد علم مني غير ما قال، وما منعه أن يتكلم إلا الحسد. فقال عمرو بن الأهتم: أنا أحسدك! فوالله إنك للئيم الخال، جديب المال، ضيق العطن، أحمق الولد، مضيع في العشيرة. والله، يا

<<  <  ج: ص:  >  >>