الحديث الثاني: أن ما خص الله به المؤمنين من رحمته في الآخرة، بالنسبة إلى ما عم به الخلائق من رحمته في الدنيا نسبة تسعة وتسعين جزءا إلى الجزء الأول من جزء واحد، والكافر حيث كفر بالله، ولم يؤد حق العبودية في هذه الأسماء، ولا في بعضها، حرم الله عليه أقسام رحمته في الآخرة، المعبر عنها بتسع وتسعين، فجعل الله مكان كل عدد في هذه الأعداد تنينا يسلط عليه في قبره، وإن ذهب ذاهب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عبر عما يلحق به من التبعات، وينزل به من المكروهات بالتنانين، ففيه من طريق العربية مساغ، على وجه المجاز والاتساع، ولكن الأخذ بالظواهر في أمثال هذا الحديث أولى بأولي الألباب حتى تتبين الحقيقة عن المجاز، وأما استحالة أن يكون ذلك على الحقيقة ومدافعته من طريق المعقول، فإنه سبيل من لا خلاق له في الدين، والله يعصمنا من عثرة العقل وفتنة الصدر، ويسلك بنا محجة الكتاب والسنة.
ومن باب الاعتصام بالكتاب والسنة
(من الصحاح)
[٩٤] قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد) لفظ الأمر عام في الأقوال والأفعال، وأراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - الدين يعني: دين الإسلام، وإنما عبر عنه بهذا اللفظ؛ تنبيها على أن الدين هو أمرنا الذي نهتم له، ونشتغل به، بحيث لا يخلو عنه شيء من أقوالنا ولا من أفعالنا، وقوله:(فهو رد) أي: مردود.
[٩٥] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر رضي الله عنه:(أما بعد) هما كلمتان يؤتى بهما لفصل الخطاب.
قال سحبان بن وائل:
لقد علم الحي اليمانون أنني .... إذا قلت: أما بعد، أني خطيبها