والفاء لازمة لما بعد (أما) من الكلام؛ لما في (أما) من معنى الشرط، وقوله:(خير الهدى) هدى الرجل: سيرته وطريقته، يقال: فلان حسن الهدى، أي: حسن المذهب في الأمور كلها، ويقال: هدى هدى فلان: أي سار سيرته، ويستعمل ذلك في السيرة الحسنة والطريقة المرضية، وقوله:(خير الهدى) على معنى الجمع، و (هدى محمد) على معنى الوحدان، فكأنه [٢١/ ب] قال: خير الطرائق طريقة محمد - صلى الله عليه وسلم - وفيه:(وشر الأمور محدثاتها) بالنصب عطفا على اسم إن أتمها معنى، وأكثرها رواية، ويجوز فيه الرفع على الابتداء.
[٩٦] ومنه حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم- الحديث) أي ملحد في حق الحرم، وهو أن يستحل ما حرم منه، والإلحاد: الميل عن الحق، مشتق من اللحد، وهو الحفرة المائلة عن الوسط.
والإلحاد ضربان: إلحاد إلى الشرك بالله، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب، فالأول ينافي الإيمان ويبطله، والثاني يوهن عراه ولا يبطله. وقوله (ملحد في الحرم) من هذا القبيل، قال الله:{ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} وإذا ذهبنا في التأويل إلى الوجه الذي ذكرناه، فلابد أن نقول: إن قوله - صلى الله عليه وسلم - (أبغض الناس) لا يجري على معنى العموم، بل المراد منه: أبغض الناس إلى الله، من عصاة الأمة، وأهل الملة، قال الله تعالى:{أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليهريق دمه) يهريق، بفتح الهاء وأصله: أراق، يريق، إراقة، وأصل أراق أريق، وأصل يريق: يأريق، فأبدلوا من الهمزة الهاء؛ لاستثقالهم الهمزتين في قولهم: أنا أأريقه، ومنه لغة أخرى: أهرق الماء، يهرقه، إهراقا.
[٩٨] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر رضي الله عنه:(ومحمد فرق بين الناس) فإن كانت الراء مشددة، من التفريق، فالمعنى: أنه ميز بينهم، فتبين به المطيع عن العاصي، والعاصي عن المطيع، وإن كانت الراء ساكنة فالفرق بمعنى الفارق، وهو في الأصل مصدر، فوصف به كالعدل، ولا أحققه رواية.
[٩٩] ومنه حديث أنس- رضي الله عنه- (جاء ثلاثة رهط .. الحديث) الرهط: من الثلاثة إلى