لصحته، وكثرة استعماله، والمتكلم به إما النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أفصح العرب، وإما المهاجرون من قريش، أو من نزل مكة منهم، وهم أصح العرب لغة، وأعرفهم ببقاع مكة، وأساميها، وأما غيرهم من الصحابة واللغة يومئذ صحيحة لم تشبها لغة مولد، ولو استقصينا في إيراد ما روى على لفظ (عرفة) وتعداده من النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة لأفضى ذلك بنا إلى الإسهاب، وقد استغنينا عنه، لكثرته واشتهاره، فعملنا أن هذه التسمية أشبهت (عانات) فيما يقال لها تارة: عانة، وتارة عانات.
ويحتمل أنهم أطلقوا عليها عرفات؛ لأنها أماكن مختلفة من سهل وجبل وبطون وأودية، ليشمل الكل.
وقوله سبحانه:(فإذا أفضتم من عرفات) ليعلم أن حكم الإفاضة يتعلق بسائر من حضر تلك الأماكن؛ ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وعرفه كلها موقف)
وفيه:(ومن أدرك عرفة ليلة جمع ....):
كذا أورده المؤلف، والحديث على ما نجده في كتب الحفاظ المتقدمين زمانا ومنزلة:(ومن أدرك جمعا ...): ومعناه - إن صح-: من أدرك جمعا قبل صلاة الصبح، فقد أدرك البيتوتة، بجمع، وهذا الحديث لم يروه غير عبد الرحمن بن يعمر، ول يرو هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث، ولم يروه عن عبد الرحمن غير بكر بن عطاء، وهو حديث معتبر، جم الفائدة عزيز عند أهل النقل، وكان وكيع إذا تحدث به، قال: هذا الحديث أم المناسك.
وفيه:(فمن تعجل [٤٦/ب] في يومين فلا إثم عليه ... الحديث):
تعجل، أي: عجل في النقر، وتعجل يجئ لازما، ويجئ متعديا، فلو قدر متعديا، فمعناه: عجل النفر وإجراؤه على اللازم أمثل وأقوم؛ لمطابقة (ومن تأخر).
فإن قيل: فما وجه التخيير بين الأمرين وأحدهما أفضل من الآخر، وما وجه التسوية بين المتعجل والمتأخر في نفي الحرج والمتأخر أخذ بالأسد والأفضل؟
قلنا: قد ذكر أهل التفسير أن أهل الجاهلية كانوا فئتين: فإحداهما ترى المتعجل آثما، والأخرى ترى المتأخر آثما، فورد التنزيل بنفي الحرج عنهما، وهذا قول مطابق لسياق الآية لو كان له في أسباب النزول آصل ثابت.
والظاهر: أن الإعلام الذي جاءهم من قبل الله تعالى إنما جاء ليعلموا أن الأمر موسع عليهم، فلهم أن يأخذوا من الأمرين بأيهما شاءوا، ونظيره التخيير بين الصوم والإفطار، وإن كان الصوم أفضل، وأما وجه التسوية بين المتعجل والمتأخر في نفي الحرج، فهو أن من الرخص ما يقع من العامل موقع العزيمة، ويكون الفضل في إتيانه دون إتيان ما يخالفه، وذلك مثل قصر الصلاة للمسافر.