ووجه المناسبة بين هذا الفصل وبين الفصل الأول: أنه لم يأمن عليهم أن يتوهموا أن لهم أن يثبطوا في الخروج إلى الجهاد، كما أن لهم أن يستقروا حيث شاءوا من بلادهم، فلا يهاجروا، فنبأهم أن أمر الجهاد خلاف أمر الهجرة.
[١٩١١] وفيه: (إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض) أي: لم يكن تحريمه من الناس باجتهاد شرعي، ولا بمقاية، ولا بمواضعه، بل كان من قبل الله بأمر سماوى).
فإن قيل: كيف التوفيق بين قوله هذا، وبين قوله:(اللهم إني أحرم المدينة كما حرم إبراهيم مكة)؟
قلنا: يحتمل: أنه أضاف تحريم مكة إلى إبراهيم؛ لأن الله تعلى بين تحريمها للناس على لسانه، ويكون معني الدعاء: اللهم جرمها وبين تحريمها على لساني، كما بينت تحريم مكة على لسان إبراهيم.
ويحتمل: أن التحريم المضاف إلى إبراهيم ما كان من دعائه عند بناء البيت، مثل قوله:{وإذ قال إبراهيم رب أجعل هذا البلد آمنا} لا الذى كان يوم خلق الله السموات والأرض، ويكون هذا النوع من التحريم زيادة على ما كان في أول الأمر، وذلك مثل تحريم الحرمين أن يدخلهما الدجال، وتحريم القتال فيهما، ولم يحمل التحريم الذي كان منهما على تحريم الصيد وتخويفه، وإثارته ما يشبهه من التحريم؛ لأن ذلك مختلف فيه بين أهل العلم: هل حكم المدينة في ذلك كحكم مكة؟ وإن كان الجمهور على التفريق بينهما في ذلك.
والذي ذكرناه من دخول الدجال، وتحريم القتال، والدعاء على من خوف أهلها لا اختلاف فيه.
وفيه:(ولا يلتقط لقطتها إلا من عرفها):
أى: لا يلتقطها إلا من يريد [٤٧/ب] تعريفها فحسب؛ يدل عليه قوله في حديث آخر:(ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد) أي: ليس للملتقط أن يتصدق بها، أو يستنفقها، كسائر اللقطات، وفي ذلك تعظيم أمر الحرم، ولم يفرق أكثر العلماء بين لقطة الحرم ولقطة غيرها من الأماكن، ويعضد هذا الحديث وما ورد بمعناه قول من فرق بينهما؛ لأن الكلام ورد مورد بيان الفضائل بل المختصة بها؛ كتحريم صيدها، وقطع