للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالندم، [والبدار] يصرفه عن انحائه اختلاف الآراء، وإذ قد عرفنا أن قوله (وما ترددت في شي أنا فاعله) مرتب عليه (هو يكره الموت، وأنا أكره مساءته) وعرفنا من غير هذا الحديث أن الله تعالى يرفق بعبده المؤمن ويلطف به عند الموت؛ حتى يزيل عنه كراهة الموت، وذلك في الحديث المتفق على صحته عن عبادة بن الصامت وعائشة أم المؤمنين - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. والموت قبل لقاء الله) قالت عائشة رضي الله عنها: إنا لنكره الموت! قال: (ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه) علمنا أن المراد من لفظ التردد في هذا الحديث إزالة كراهة الموت عن العبد المؤمن بلطائف يحدثها الله له، ويظهرها عليه، حتى يذهب الكراهة التي في نفسه، بما يتحقق عنده من البشرى برضوان الله وكرامته، وهذه الحالة تتقدمها أحوال كثيرة من مرض وهرم وفاقة وزمانة وشدة بلاء تهون على العبد مفارقة الدنيا، ويقطع عنها علاقته حتى إذا أيس عنها تحقق رجاؤه بما عند الله، فاشتاق إلى دار الكرامة، فأخذ المؤمن عما تشبث من حب الحياة شيئا فشيئا بالأسباب التي أشرنا إليها، يضاهي فعل المتردد من حيث الصيغة، فعبر عنه بالمتردد، ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المخبر عن الله تعالى. (١٨٥/أ) وعن صفاته وأحواله بأمور غير معهودة، لا يكاد يعرفها على ما هي عليه أذن له أن يعبر عنها بألفاظ مستعلمة في أمور معهودة، تعريفا للأمة وتوقيفا لهم بالمجاز على الحقيقة، وتقريبا لما ينأى عن الإفهام، وتقريرا لما يضيق عن الإفصاح به نطاق المجاز، وذلك بعد أن عرفهم ما يجوز على الله، وما لا يجوز.

[١٥٧١] ومنه حديث ثوبان - رضي الله عنه - (١٨٥/ب): (لما نزلت: {والذين يكنزون الذهب والفضة} كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: لو علمنا أي المال خير، فنتخذه؟ (أي) رفع على الابتداء. قال الله تعالى: {لنعلم أي الحزبين أحصى ..} لم يعمل فيه ما قبله. وقال - سبحانه - {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} فنصبه بما بعده. وفرق الكسائي بين الواقع والمنتظر، فقال: تقول: لأضربن أيهم في الدار، فتنصبه. ولا يجوز أن تقول: ضربت أيهم في الدار [] منصوب بالفاء في جواب الشرط. وقوله أفضله لسانه ذاكر) الضمير فيه راجع إلى الشيء الذي يحسن بالإنسان أن يتخذه قنية لنفسه فإن قيل: سألوه عن أفضل المال ليتخذوه، ودلهم على اللسان الذاكر والقلب الشاكر، والمرأة المؤمنة وليس ذلك من المال في شيء قلت: قد اكتفى من الجواب في قنية المال بما عهد إليهم في الكتاب والسنة من التجنب عن قنية المال، والتكالب في طلبه، ودلهم على ما عرف فيه النفع المحض، ولم ير عليهم في اتخاذه تبعة، وذلك من التحويل في الكلام من مقتضى اللفظ إلى ما يقتضيه المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>