وذلك على سبيل الاتساع، وهو شائع في كلام العرب، إذا أرادوا اختصاص الشيء بنوع من الخصوصية، والاهتمام به والعناية والاستغراق فيه، والفناء والوله إليه [والنزوع]، وفي معناه يقول قائلهم:
جنوني فيك لا يخفى .... وناري فيك لا تخبو
فأنت السمع والناظر .... والمهجة والقلب
ولسلفنا من مشايخ الصوفية في هذا الباب فتوحات غيبية وإشارات ذوقية، [تهتز] منها العظام البالية، غير أنها لا تصلح إلا لمن سلك سبيلهم فعلم مشربهم وأما غيرهم فلا يؤمن عليه عند سماعها من الأغاليط التي تهوى بصاحبها إلى مهواة الحلول والاتحاد، وتعالى الله الملك الحق عن صفات المخلوقين، ونعوت المربوبين، وعوذا بالله من عمى يفضي بصاحبه إلى تشبيه من خلق بما خلق، وحسب ذوي الألباب من شواهد هذا الباب أن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يقرر في قلوب السامعين عنه، الواقفين معه أن عقد الميثاق مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كعقده معه - أضاف المبايعة معه إلى نفسه بآكد الألفاظ وأخص المعاني وأبلغ الوجوه، فقال - عز من قائل:{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} وفي هذا كفاية لمن تدبر القول، والله أعلم.
وفيه:(ومن تقرب مني شبرا ...) الحديث: قلت: قوله: (ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا) إلى قوله (ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) - من تمام حديث أبي هريرة هذا الذي ذكرناه، وهو هكذا في كتاب مسلم؛ إلا أن (تقربت إليه ذراعا)(تقربت إليه باعا) والحديث على الوجه الذي أورده المؤلف من رواية أبي ذر، وهو مخرج في كتاب ابن ماجة، ولما ذكر الحديث في قسم الصحاح لم يكن له أن يأتي فيه بما لا يوجد في الكتابين: كتاب البخاري وكتاب مسلم - وذلك من جملة ما أشرنا إليه من التجوز الذي لا يتدين به المحدثون. والهرولة: ضرب من التسرع في السير، فوق المشي، ودون العدو، قلت: وهذه الأمثال يقرب بها المعنى المراد منها إلى أفهام السامعين. والمراد منها أن الله تعالى يكافئ العبد ويجازيه في معاملاته التي يقع بها التقرب إلى الله بأضعاف ما يتقرب العبد إلى الله، وسمي الثواب تقربا لمقابلة الكلام وتحسينه؛ ولأنه من أجله وبسببه. وقد قيل: تقرب الباري تعالى إليه بالهداية وشرح صدره لما تقرب به إليه، وكأن المعنى: إذا قصد ذلك وعمله أعنته عليه، وسهلته له.
وأما قوله:(وما ترددت في شيء أنا فاعله) فإن نفرا من أهل العلم أولوه على ترديد الأسباب والوسائط؛ منهم أبو سليمان الخطابي، وجعلوا قصة موسى عليه السلام مع ملك الموت سنادا لقولهم، وآزره بعضهم بما جاء في الأثر من حديث إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، والملك الذي مثل له على صورة شيخ فان، وفيه شهرة عند أصحاب الأقاصيص. والذي قالوا هو الوجه، إلا أنه على هذا الوجه لا يشفي غليل من لم يرد موارد المعاني المصبوبة في قوالب المتشابهات، فيلتبس القول المروي عن صاحب الشريعة من أمر الله الذي لا سلطان للتشابه عليه، ولا مدخل للتردد فيه - بالأمر المرئي عمن يأتيه الجهل