فمعنى الأول أن المؤمن الممدوح هو المتيقظ الحازم الذي لا يؤتي من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، ولا يفطن هو به.
قال: وقد قيل: إنه الخداع في أمر الآخرة [١٦٢/أ] دون أمر الدنيا. ومعنى الثاني لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه.
قال: وهذا يصلح أن يكون في أمر الدنيا والآخرة.
قلت: وأرى أن الحديث لم يبلغ الخطابي على ما كان عليه وهو مشهور عند أهل السير، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَن على بعض أهل مكة وهو أبو عزة الشاعر الجمحي، وشرط عليه أن لا يجلب عليه، فلما بلغ مأمنه عاد إلى ما كان عليه، فأسر تارة أخرى فأمر بضرب عنقه، فكلمه بعض الناس في المن عليه فقال:(لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).
(ومن الحسان)
[٣٨١٢] حديث عبد الله بن سرجس- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد ..) الحديث.
التؤدة: السكون، يقال: اتأد في مشيه وتوأد وهو افتعل وتفعل من التؤدة. والاقتصاد على ضربين:
أحدهما: ما كان متوسطاً بين محمود ومذموم كالمتوسط بين الجور والعدل، والبخل والجود، وهذا الضرب أريد بقوله سبحانه:{فمنهم مقتصد}.
والثاني: محمود على الإطلاق، وذلك فيما له طرفان: إفراط وتفريط، كالجود فإنه بين الإسراف والبخل، والشجاعة فإنها بين التهور والجبن. [وهذا] الذي في الحديث هو الاقتصاد المحمود على الإطلاق.
وذكر في حديث ابن سرجس أن الخلال المذكورة جزء من أربع وعشرين جزءاً من النبوة وفي حديث ابن عباس- رضي الله عنه- الذي يليه: من خمس وعشرين.