يريد أن الإنسان يقع فيها من غير بصيرة وحجة، فلا يرى فيها موضع قدمه، ولا يستطيع أن يقيم حجة على ما يأتيه من أمره، ولا يستمع إلى الحق ولا يلوى إلى من يريد نصحه، فأضاف العمى والصم والبكم إليها، لأن الناس يعمون فيها ويصمون ويبكمون على ما [١٧٤/أ] ذكرنا.
[٤٠٣٢] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي ذر رضي الله عنه (يبلغ البيت العبد) أراد بالبيت القبر، أي يباع بالعبد لكثرة الأموات، وقلة من يقوم بأمرهم.
وقد ذهب بعض أهل العلم فيه إلى أن مواضع القبور تضيق عليهم. والصواب هو الأول، لأن الموت، وإن استمر بالأحياء وفشا فيهم كل الفشو لم ينته بهم إلى ذلك، وقد وسع الله عليهم الأمكنة.
وفيه:(تغمر الدماء أحجار الزيت) أحجار الزيت هي من الحرة التي كانت بها الوقعة زمن يزيد، والأمير على تلك الجيوش العاتية مسلم بن عقبة المري، الملقب بالمسرف المستبيح لحرم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان نزوله بعسكره في الحرة الغربية من المدينة، فاستباح حرمتها وقتلها وقتل رجالها وعاث فيها ثلاثة أيام، وقيل: خمسة، فلا جرم أنه انماع كما ينماع الملح في الماء، ولم يلبث أن أدركه الموت وهو بين الحرمين، {وخسر هنالك المبطلون}.
[٤٠٣٣] ومنه حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس ...) الحديث.