للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على وجه الاستحباب مبالغة في الإسباغ ونظرا إلى حد الكمال وذلك لأن العين قلما تخلو من قذف ترميه من كحل وغيره أو رمص يسيل منها فينعقد على طرف العين فيفتقر إلى تنقيته وتنظيفه بالمسح والذي يقتضيه تفسير أبي عبيد مسح طرف العين مما يلي الأنف والذي يقتضيه قول الجوهري مسح المآقين من كل عين وهذا أمثل وأحوط؛ لأن المعنى الذي وجدناه في مسح الطرف الذي يلي الأنف وجدناه في مسح الطرف الآخر.

[٢٧٢] ومنه: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (فقد أساء وتعدى وظلم) إنما ذم هذا الفعل بالكلمات الثلاثة إظهارا لشدة النكير على فاعله وزجرا لأولى البصائر عن ذلك ثم إنه قال: (أساء) لأنه أساء الأدب بين يدي الله ورسوله؛ حيث تساهل في حق الاتباع وتعدى؛ لأنه تجاوز عن الحد المحدود له وظلم؛ لأنه وضع الشيء في غير موضعه وهو الطهور الذي استعملهه بعد حصول الكمال ثم ظلم نفسه بمخالفة السنة.

وفي قول الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده احتمال أن يكون الضمير في جده راجعا إلى عمرو وأن يكون راجعا إلى أبيه شعيب، فإن يك راجعا إلى عمرو بالحديث يكون مرسلا؛ لأن جد عمرو هو محمد بن عبد الله بن عمرو وهو تابعي، وإن يك راجعا إلى شعيب فالحديث متصل؛ لأن جد شعيب عبد الله بن عمرو ولهذه العلة تكلموا في صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لما فيها من احتمال التدليس.

[٢٧٣] ومنه: حديث عبد الله بن مغفل- رضي الله عنه- لابنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور).

قلت أنكر الصحابي على ابنه في هذه المسألة لأنه طمح إلى ما لم يبلغه عملا وحالا؛ حيث سأل منازل الأنبياء والأولياء وجعلها من باب الاعتداء في الدعاء لما فيها من لتجاوز عن حد الأدب ونظر الداعي إلى نفسه بعين الكمال. والاعتداء في الدعاء يكون من وجوه كثيرة والأصل فيه أن يتجاوز عن مواقف الافتقار إلى بساط الانبساط أو يميل إلى أحد شقى الإفراط والتفريط في خاصة نفسه وفي غيره إذا دعا له أو عليه، والاعتداء في الطهور استعماله فوق الحاجة والمبالغة في تحري طهوريته حتى يفضى به إلى الوسواس.

<<  <  ج: ص:  >  >>