وكان هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفى فيه في آخر خطبة خطبها، ولا خفاء بأن ذلك تعريض بأن أبا بكر هو المستخلف بعده، وهذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة فلذلك؛ لأن أصحاب المنازل اللاصقة بالمسجد قد جعلوا من بيوتهم مخترقا يمرون فيه إلى المسجد، أو كوة ينظرون منها إليه، فأمر بسد جملتها سوى خوخته تكريما له بذلك أولا، ثم تنبيها للناس في ضمن ذلك على أمر الخلاقة، حيث جعله مستحقا لذلك دون الناس، وإن أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة، وسد أبواب المقالة دون التطرق إليها والتطلع عليها، وأرد المجاز فيه أقوى، إذ لم يصح عندنا أن أبا بكسر كان له منزل بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة، ثم إنه مهد المعنى المشار إليه وقرره بقوله:(ولو كنت متخذا خليلا ..) الحديث؛ ليعلم أنه أحق الناس بالنيابة عنه، وكفانا من الحجة على هذا التأويل تقديمه إياه في الصلاة، وإباؤه كل الإباء أن يقف غيره ذلك الموفق، والله أعلم.
[٤٥٧٠] ومنه حديث عمرو بن العاص- رضي الله عنه- (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل). السلاسل: رمل ينعقد بعضه على بعض وينقاد، وتلك الجيش لما كانت موجهة إلى أرض بها رمل على ذلك النعت أضيفت إليها، أو كانت ملاقاة الفريقين هناك، فسميت الغزوة بها، ولقد وجدت في بعض الكتب أنها سميت ذات السلاسل؛ لأن الفئة المغزوة وقفت لهم في الصف، وقد شد بعضهم بعضا بالسلاسل، والظاهر أنه قول تقوله مسندا إلى ما تخيله، ويدل عليه أن الراوي جعل ذات السلاسل الجيش الغازية لا المغزوة؛ ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبعث [٣٢٣] في زمانه جيشا إلى فارس، ولم يبعث إلى الروم أيضا إلا في غزوة مؤته، وهو الذي ادعاه من ربط البعض إلى البعض عند المصاف من صنيع إحدى الفئتين، فأما العرب فإنها لم تكن تعمل ذلك.
[٤٥٧٢] ومنه حديث ابن عمر- رضي الله عنه-: (كنا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نعدل بأبي بكر أحدا ..) الحديث. قيل: إنه عنى بذلك مشيخة الصحابة والمستحضرين للرأي والمشورة.