للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هو مذهب العرب في هذا النوع، لا على أنه أصدق من غيره على الإطلاق، لا يصح أن يقال: أبو ذر أصدق من أبي بكر- رضي الله عنه- وهو صديق هذه الأمة، وخيرها بعد نبيها، ولو ذهبت إلى العموم لم يستقيم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ممن أظلته الخضراء، وأقلته الغبراء، وكان أصدق من أبي ذر وغيره. وفي رواية: [أبي ذر] شبه عيسي بن مريم) يريد: شبهه في الزهد والتقشف والانتباذ من الناس وحدانا.

[٤٧٥٤] ومنه حديث عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أسلم الناس، وآمن عمرو ابن العاص).

قلت: هذا أيضا من العام الذي يراد به الخاص، والمراد من الناس مسلمة الفتح من أهل مكة. أسلم عمرو قبل الفتح طائعا راغبا مهاجرا إلى المدينة.

وقد اختلف في السنة التي خرج فيها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من قال: خرج بين الحديبية وخيبر.

ومنهم من قال: خرج سنة ثمان قبل الفتح. والصحيح أنه رجع من [٣٣٩] الحبشة حين أرسلته قريش إلى النجاشي [ليستل] من هاجر من المسلمين إلى الحبشة، وقد وقع في قلبه الإسلام، فخرج من مكة هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة العبدرى الحجبي فلما دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد ونظر إليهم قال: (رمتكم مكة بأفلاذ كبدها) فقوله: (أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص) تنبيه على أنهم رهبة، وآمن عمرو رغبة، فإن الإسلام يحتمل أن يشوبه كراهة، والإيمان لا يكون إلا عن رغبة وطواعية.

[٤٧٥٥] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر- رضي الله عنه-: (إن الله كلم أباك كفاحا) كفحته كفحا: إذا استقبلته كفة كفة، وكافحوهم: إذا استقبلوهم في الحرب بوجوههم ليس دونها ترس. ومنه المكافحة، يقال: لقيته كفاحا.

<<  <  ج: ص:  >  >>