للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأودية التي تحل بها البادية، فتلقى تلك القاذورات بأفنية منازلهم، فإذا جاء السيل وكسح الوادي، احتمل الحيض والنتن ولحوم الكلاب فأنهت بها إلى البئر، فعبر السائل عن ذلك بقوله على وجه يوهم أن الإلقاء كان من الناس، وأن الناس كانون لا يتدينون بصيانة الماء عن العذر والنتن، وهذا مما لا يجوزه مسلم؛ بل لا يرتضيه المجوس وعبدة الأوثان. وقد جرت العادة بخلاف ذلك في الناس مسلمهم وكافرهم، فأني يظن ذلك بمن هم أفضل القرون وأزكاهم وأطهرهم، وعلى هذا النحو فسره أبو سليمان الخطابي.

وفيه: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) اللام فيه للعهد، أي الماء الذي وقع السؤال عنه طهور لا ينجسه شيء؛ لكثرته ثم لكونه في حكم المياه الجارية، فإن السيل إذا ألقى في مثل تلك البئر قذرا ونتنا ثم طفح عليها، احتمل بعيابه ما ألقى فيها، فلا يسلب إذا من ذلك الماء حكم الطهورية.

[٣١٦] ومنه: حديث أبي قتادة- رضي الله عنه- الذي ترويه كبشة بنت كعب وكانت تحت ابن أبي قتادة وهو عبد الله، وفي اسم أبي قتادة اختلاف كثير وهو مشهور بكنيته، وهو أبو قتادة بن ربعي الأنصاري السلمي فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وفيه: (إنها ليست بنجس) قال أبو جعفر الطحاوي: يحتمل أنه أراد أنها ليست بنجس في كونها في البيوت هو في مماستها الثياب لا في طهارة سؤرها، والذي يدل على طهارة سؤرها من هذا الحديث فعل أبي قتادة، وقد خالفه في ذلك ابن عمر وأبو هريرة وجمع من علماء التابعين.

وذكر أبو جعفر في حديث عائشة رضي الله عنها: (رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بفضلها) أن مداره على أم داود بن صالح وليست هي من ذوي الرواية بمكان يؤخذ عنها أمثال ذلك.

وقد استدل أيضا بحديث جابر- رضي الله عنه-: (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب والسنور) وإنما تكلم على هذا النمط بناء على ما كان يذهب إليه من مذهب أبي حنيفة رحمة الله عليه، ونظرا لأنها تأكل الميتة، وأما أصحاب الحديث، وكثير من أهل الاجتهاد فإنهم يذهبون إلى طهارة سؤرها لهذا الحديث، وجوابهم عن التأويل الذي ذكرناه عن الطحاوي هو أن الصحابي بين معنى الحديث بالعمل، والصحابي أعرف. [٥٧/أ] بتأويل ما يرويه، ولكل وجهة هو موليها.

وفيه: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات)، قال أبو الهيثم: الطائف الخادم الذي يخدمك برفق وعناية، وجمعه الطوافون. قال الخطابي: ويجوز أن تكون شبيهة بالطوافين من ذوي الحاجة والمسكنة لطلب الرزق، والمراد منه التنبيه على الرفق بها واحتساب الأجر في مواساتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>