وكان ذلك مستفيضا في اللغة العربية، فلما جاء الإسلام، وتمهدت قواعده، وأكثر المسلمون أن يقولوا:(صلاة العتمة) بدل (صلاة العشاء)؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغلبنكم الأعراب ... الحديث) أي: لا تطلقوا [٦٧/ب] هذه التسمية على ميقات صلاتكم؛ فتجرى به ألسنتكم؛ فيغلب مصطلحهم في ميقات حلاب الإبل على الاسم الذي جئتم به من الله.
وقوله:(فإنها في كتاب الله تعالى) أي: في القرآن؛ وذلك قوله سبحانه في سورة النور:{ومن بعد صلاة العشاء}.
وإن قدرنا أن هذا القول ربما كان قبل نزول الآية، فمعنى قوله:(في كتاب الله) أي: في حكمه الذي أوحاه إلى.
فإن قيل:(ما وجه التوفيق بين هذا الحديث والحديث الذي يرويه أبو هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولا حبوا)، والحديثان صحيحان، وليس لأحد أن يرد أحدهما بالآخر)؟
قلنا: قد ذكر بعض العلماء- من أصحاب المعاني- في ذلك قولا، يرجع حاصله إلى أن أبا هريرة سمع هذا الحديث قبل نزول الآية التي في سورة النور، وهي قوله سبحانه:{يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} الآية، وكان الأصل الذي تعرفه في اسم هذه الصلاة: العتمة؛ حتى نزلت الآية، فلما نزلت، قال - صلى الله عليه وسلم - قوله الذي رواه ابن عمر.
وهذا وجه مرضي، لولا أن القضية تحكم بخلاف ذلك، وهي أن العتمة لم توجد في شيء من الحديث، إلا فيما رواه أبو هريرة، وفي غير ما رواه سميت: صلاة العشاء، لاسيما في أحاديث بيان المواقيت، وهي الحجة على هذا القائل بما ذكرناه؛ لتقدمها؛ وذل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليأمرهم بالصلاة من غير أن يبين لهم ميقاتها، ثم إن أبا هريرة أسلم عام خيبر، وهي السنة السابعة من الهجرة، والآية نزلت عام المريسيع بعد حديث الإفك، وهي في السنة الخامسة أو السادسة من الهجرة على اختلاف فيه من أصحاب السير.
فالوجه فيه: ألا نعلل الحديث بنزول الآية من غير تحقيق، سيما وقد ظهر لنا خلاف ذلك.
نقول: يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - لما وجد لفظ (العتمة) قد تداولته ألسنة الناس حتى كثر استعمالهم لها في (صلاة العشاء) - كره أن يغلب الوضع الجاهل على الوضع الشرعي؛ فنهاهم عن ذلك؛ وكان قبل ذل لا يرى به بأسا؛ فرواه أبو هريرة؛ على ما سمعه قبل النهي.