ويحتمل: أنها وصفت بـ (التمام)؛ لكونها محمية عن النسخ والإبدال، باقية إلى يوم التناد، ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - (والصلاة القائمة) أي: الدائمة التي لا تغيرها ملة، ولا تنسخها شريعة.
وفيه:(آت محمدا الوسيلة).
الوسيلة: ما يتقرب به [٦٩/أ] إلى الغير؛ يقال: وسل فلان إلى ربه وسيلة، وتوصل إليه بوسيلة: إذا تقرب إليه بعمل، والمراد بها في الحديث: منزلة في الجنة مفسرة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ثم سلموا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة).
وإنما سميت (وسيلة)؛ لأن خصيصى القربة أفضت به إلى تلك المنزلة، ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقام القربة وحال التوسل إلى الله؛ بحيث لا يناهضه أحد خص في الجنة بمنزلة لا يناصبه فيها أحد.
[٤٣٦] ومنه: حديث عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بين كل أذانين صلاة ... الحديث). أراد بـ (الأذانين): الأذان والإقامة، والعرب قد تحمل أحد الاسمين على الآخر؛ فتجمع بينهما في التسمية؛ طلبا للتخفيف؛ كقولهم:(سنة العمرين)، وكقولهم:(العصران): للغداة والعشى. و (الأسودان): للماء والتمر، والحية والعقرب.
وقد ذهب بعض من يرى كراهة الضلاة بين أذان المغرب وإقامتها: إلى أن المراد منهما: الأذان الحقيقي، ويقضى على هذا التأويل: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لمن شاء)، وهذا يدل على أن الأمر إليه: إن شاء صلى، وإن شاء لم يصل، ولو صرف إلى الأذان الحقيقي، لم يجز أن يكون المأمور بها مخيرا فيها.
ولو قال هذا القائل: أنه يحمل على السنن، لم يصح- أيضا؛ لأن الصحابي الذي يرويه يقول:(كراهية أن يتخذها الناس سنة).
فصح أن المراد منهما: الأذان والإقامة.
وإنما ذهب أبو حنيفة- رحمة الله عليه- إلى كراهة النافلة قبل صلاة المغرب؛ لحديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(إن عند كل أذان ركعتين ما خلا صلاة المغرب)، وقد روى عن النخعي أنه قال: ركعتان قبل المغرب بدعة؛ وقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر لم يصلوها.
قلت: وقد نقل خلاف ذلك عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي، وأنس، وغيرهم من الصحابة، رضي الله عنهم