من المشرق: مشرق الشمس في أطول يوم من السنة قريبا من مطلع السماك الرامح؛ وعلى هذا السمت، أول المغارب: مغرب الصيف، وهو مغيب الشمس عند مغرب السماك الرامح.
وآخر المشارق: مشرق الشتاء، وهو مطلع الشمس في أقصر يوم من السنة قريبا من مطلع قلب العقرب؛ وعلى هذا السمت: آخر المغارب: مغرب الشتاء، وهو مغيب الشمس عند مغرب قلب العقرب.
والظاهر: أن المعنى بـ (القبلة) في هذا الحديث- قبلة المدينة؛ فإنها واقعة بين المشرق والمغرب، وهي إلى طرف الغربي أميل.
وقد قيل: إنه أراد به: قبلة من اشتبه عليه القبلة؛ فإلى أي جهة صلى بالاجتهاد: كفته.
وقد قيل: المراد منه: توجه المتنقل على الدابة إلى أي جهة كانت.
وعلى هذين الوجهين: فالمراد من قوله: (ما بين المشرق والمغرب): قبلة الجهات الأربع، ويجوز ذلك على وجه الاتساع؛ لأن الأقطار كلها شرقيها وغربيها، وجنوبيها وشماليها- واقعة بين المشرق والمغرب.
وعلى [٧٢/أ] هذا، فالحديث يحتمل وجها آخر، وهو أن نقول: ليس من جهة من الجهات ما بين المشرق والمغرب إلا وهي قبلة بحسب توجه المصلي إلى الكعبة من مكانه الذي هو فيه: فالمشرقي قبلته المغرب، والمغربي قبلته المشرق؛ وعلى نحو ذلك الجنوب والشمال.
[٤٨٢] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث طلق بن علي- رضي الله عنه-: (وانضحوا مكانها بهذا الماء).
ذكر بعض العلماء في كتاب له: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (بهذا الماء) إشارة إلى جنس الماء، أي: انضحوا مكان بيعتكم بالماء.
وليس المعنى على ما توهمه؛ بل هو إشارة إلى ماء بعينه، وإنما أتى فيه؛ من حيث إن الحديث لم ينته إليه بتمامه؛ فأول الحديث على ما استبان له، ولا شيء في استخراج معنى الحديث كاستيفاء طرقه؛ لأن منه المرتقى إلى معرفة معناه؛ وقد روي في حديث طلق: أنه قال: (واستوهبناه فضل وضوئه، فدعا بماء؛ فتوضأ منه، وتمضمض، ثم صبه في إداوة، وقال: اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم، فاكسروا بيعتكم، ثم انضحوا مكانها بهذا الماء، واتخذوا مكانها مسجدا، فقلنا: يا نبي الله! البلد بعيد، والماء ينشف؟ فقال: أمدوه من الماء؛ فإنه لا يزيده إلا طيبا).
فعلمنا بهذا السياق: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (بهذا الماء) إشارة إلى فضل وضوئه، لا إلى جنس الماء.