[٥٢٥] ومنه حديث الفضل بن عباس- رضي الله عنه- أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في بادية لنا) الحديث.
قلت: وقد قال بعض أصحاب الحديث أن حديث أبي ذر- رضي الله عنه- قد عارضه حديث عائشة- رضي الله عنها- في المرأة، وحديث ابن عباس- رضي الله عنه- في الحمار، وأما حديث الفضل ففي إسناده مقال، ثم إنه لم يذكر فيه صفة الكلب فيجوز أن الكلب المذكور في حديثه لم يكن بأسود؛ فبقى حديث أبي ذر في الكلب الأسود لا معارض له، فنرى القول به واجبا لثبوته وصحة إسناده وهذا القول ليس بمستبعد ولا مستنكرا ولا حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- (لا يقطع الصلاة شيء) والأحاديث إذا تعارضت ووجد في معاني بعضها تضاد، فالسبيل أن تأول على وجه التوفيق بينها ونفي التضاد والاختلاف عنها.
والسبيل في هذه الأحاديث أن يحمل معنى قطع الصلاة بهذه الأشخاص على قطعها المصلي عن مواطأة القلب واللسان في التلاوة والذكر والمحافظة على ما يجب عليه محافظته ومراعاته من أمر الصلاة، ومعنى حديث أبي سعيد أن الصلاة لا يقطعها شيء أي: لا يبطلها. ومثل ذلك في كلامهم شائع مستفيض.
يقول القائل إذا تكلم بين يديه متكلم وهو مقبل على صلاته: قطعت على صلاتي، أي: شغلت قلبي عنها وقد تبين لنا من تعارض هذه الأحاديث أن معنى الحديث على الوجه الذي بيناه.
وفيه:(فإنما هو شيطان) أي: شيطان من شياطين الإنس أو يعمل عمل الشيطان أو يحمله الشيطان على هذا الصنيع.
وفيه:(ومثل مؤخرة الرحل) لغة قليلة في آخرته وتشديد الخاء منها خطأ وإنما [٨١/أ] هي مؤخرة على زنة مؤمنة كما نقول: مؤخر العين ومقدمها.
ويحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال مثل آخرة الرحل وكأن مؤخرة الرحل من لغة الراوي كذلك، وهي في حديث ابن عمر- رضي الله عنه- آخرة الرحل دون مؤخرته؛ لأنها اللغة الفصيحة وقريش أصح العرب لغة، وأفصحهم لهجة والنبي - صلى الله عليه وسلم - أفصح قريش وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أفصح العرب؛ بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد بن بكر) فينسب إليه من اللغة أصحها وأفصحها دون الرديء منها.
[٥٢٦] ومنه حديث أبي سعيد: (لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم).