وغيره من فقهاء الصحابة، ولم يكن هؤلاء السادة ليأخذوا [٨٣/أ] بذلك من غير أسوة ولهذا ذهب إليه الأجلة من علماء الحديث كسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم فالظاهر أن هذا اللفظ- أعني: ضعيف- تزيد من بعض الناس، وإن يكن من قبل المؤلف فأراه إنما دخل عليه الداخل من كتاب أبي عيسى؛ لأنه روى هذا الحديث في جامعه بإسناده عن أبي سعيد الخدري مع زيادة على حديث عائشة ولفظ حديثه: أنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول: الله أكبر كبيرا ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه. ثم قال أبو عيسى: كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي.
قلت: وعلي بن علي الرفاعي هو الراوي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد، ثم قال أبو عيسى وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث ثم روى أبو عيسى بعد ذلك حديث عائشة- رضي الله عنها- عن الحسن بن عرفة عن أبي معاوية عن حارثة بن أبي الرجال عن عمره عن عائشة ثم قال هذا حديث لا نعرفه من هذا الوجه وحارثة قد تكلم فيه من قبل حفظه فظن المؤلف أن هذا الكلام من أبي عيسى طعن في متن هذا الحديث وليس الأمر على ما ظن فإن الذي ذكره أبو عيسى في علي الرفاعي في إسناد حديث أبي سعيد لا يكون حجة على ضعف هذا الحديث؛ لأن سياق حديث أبي سعيد غير سياق حديث عائشة على ما بينا؛ ألا ترى أنه قال: وقال أحمد لا يصح هذا الحديث، وأحمد قد انتهى إليه حديث عائشة- رضي الله عنها- بإسناد موثوق به فأخذ به كما ذكرناه عن مذهبه، وأما ما ذكره الترمذي من أمر حارثة بن أبي الرجال فإنه تكلم في إسناده الحديث من الوجه الذي ذكره ولم يقل أن إسناده مدخول فيه من سائر الوجوه مع أن الجرح والتعديل يقع في حق أقوام على وجه الاختلاف، فربما ضعف الراوي من قبل أحد الأئمة ووثق من قبل آخرين. وهذا الحديث رواه الأعلام من أئمة الحديث، وأخذوا به ورواه أبو داود في جامعه عن الحسن ابن علي عن طلق بن غنام عن عبد السلام بن حرب الملائي عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة وهذا إسناد حسن. رجاله مرضيون، فعلمنا أن أبا عيسى لم يرم هذا الحديث بالضعف على الإطلاق، وإنما تكلم في الإسناد الذي أورده.
ثم إني لا أستطيع القول في بيان؛ إلا حذرا من أن يتسارع طالب علم بالطعن إلى هذا الحديث من غير روية وبصيرة اتكالا على ما يجده في كتاب المصابيح؛ فيتأثم به وأعوذ بالله أن أنصر عصبية أو أدعو إلى عصبية والله حسيبي على ذلك.
[٥٤٦] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبير بن مطعم- رضي الله عنه-:نفخه ونفثه وهمزه، أرى والله أعلم أن النفخ كناية عما يسوله الشيطان للإنسان من الاستكبار والخيلاء فتتعاظم في نفسه كالذي نفخ فيه؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي رآه وقد استطار غضبا:(نفخ فيه الشيطان).