للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٥٩١] ومنه: حديث ابن عباس- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ... الحديث).

قلت هذا الحديث من جملة ما انتهى إلى الأمة من كلام النبوة في آخر عهده - صلى الله عليه وسلم - دون اقتراب زمان انقطاع الوحي، رواه النسائي في كتابه عن ابن عباس وفي روايته (كشف النبي - صلى الله عليه وسلم - الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: (أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو يرى له) ثم قال (ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا؟؟؟ الحديث) والذي يلوح لنا من هذا الحديث ويهتدى إليه من علة النهي عن القراءة في حالتي الركوع والسجود- سوى التعبد الذي هو حظ كل مكلف من الشرع- هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نبأ الأمة عن انقطاع الوحي بوفاته وعزاهم عن مبشرات النبوة ثم نبههم على جلالة قدر ما هو تارك فيهم من الوحي المنزل- وهو الكتاب العزيز الذي لم يؤت نبي مثله- بقرينة مستكنة في صيغة النهي، وذلك أن الركوع والسجود من سمات الخضوع وأمارات التذلل من العباد لجلال وجه الله الكريم فنهى أن يقرأ الكتاب الكريم الذي عظم شأنه وارتفع محله دون هيئة موضوعة للخضوع والتذلل ليتبين لأولي العلم معنى الكتاب العزيز وينكشف لذوي البصائر حقيقة القرآن الكريم، وإنما تأخر النهي إلى آخر عهد الرسالة ليكون مورده على تمام النعمة بمواقع النجوم واستيفاء أنصبة القرب باطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على مطالع الوحي ومقاطعه.

وفيه (فقمن) أي خليق جدير، يقال أنت قمن بفتح الميم أن تفعل كذا ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فإن كسرت الميم أو قلت قمين ثنيت وجمعت.

[٥٩٣] ومنه: حديث عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنه- (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده) معنى قوله: (سمع الله لمن حمده) أي تقبل الله منه حمده وأجابه يقال اسمع دعائي أي أجب، وضع السمع موضع القبول والإجابة للاشتراك الذي بين القول والسمع والغرض من الدعاء هو القبول والإجابة.

وفيه (ملء ما شيءت من شيء بعد) قوله هذا مشير إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود فيه فإنه - صلى الله عليه وسلم - حمده ملئ السموات والأرض [٨٧/أ] وهذه نهاية أقدام السابقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>