للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الحديث بوضع اليد على الخاصرة وقيل أنه من صنيع اليهود فنهى عنه وذكر أن إبليس أهبط إلى الأرض وهو في تلك الهيئة. والخصر لم يفسر على هذا الوجه في شيء من كتب اللغة ولم أطلع عليه إلى الآن في شيء مما يعتمد عليه من كتب أصحاب الغريب والحديث على هذا الوجه أخرجه البخاري في جامعه غير أنه لم يذكر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما رواه عن أبي هريرة وسياق حديثه (نهى عن الخصر في الصلاة) وهذا الحديث على هذا الوجه لم نصادفه في شيء من كتب الأحكام إلا في كتاب البخاري ثم إنه روى هذا الحديث في كتابه من طريق آخر عن أبي هريرة- رضي الله عنه- ولفظه (نهى أن يصلي الرجل مختصرا) ثم ذكر (٩٢/ب) بعده أن أبا هريرة يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه مسلم أيضا عن أبي هريرة- رضي الله عنه- ولفظه: عن أبي هريرة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلي الرجل مختصرا) وكذلك رواه الدارمي والترمذي والنسائي في جوامعهم، ورواه أبو داود عن أبي هريرة أنه قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاختصار في الصلاة)، فتبين لنا من هذه الأحاديث أن المعتبر من اللفظين هو الاختصار لا الخصر ولعل بعض الرواة ظن الخصر يرد بمعنى الاختصار. والاختصار هو وضع اليد على الخاصرة، وقد قيل: هو اتخاذ المخصرة في الصلاة متكئا عليه، وهذا المعنى وإن كانت اللغة العربية تقتضيه، فإن التفسير الذي اشتهر فيه عن الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم يحكم بخلاف ذلك، وقد

ذكر النسائي في كتابه بعد- حديث النهي عن الاختصار- حديثا يبين معنى الاختصار، وهو: ما رواه بإسناده عن زياد بن صبح، قال: صليت إلى جنب ابن عمر، فوضعت يدي على خصري، فقال لي هكذا ضربة بيده، فلما صليت، قلت لرجل: من هذا؟ قال: عبد الله بن عمر. قلت: يا أبا عبد الرحمن، ما رابك مني؟ قال: هذا الصلب، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا عنه).

قلت: وإنما سمي صلبا لأنه شبه الصلب، وذلك أن المصلي إذا وضع يديه على خاصرتيه صار كالمصلوب، الذي يمد باعه على الجذع.

[٦٧٢] ومنه: حديث أبي قتادة الأنصاري- رضي الله عنه- (رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس، وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه ... الحديث) بين أبو سليمان الخطابي وجه هذا الحديث، وحاصل كلامه: أنه لا يكاد يتوهم عليه أنه كان يتعمد لحملها ووضعها وإمساكها في الصلاة تارة بعد أخرى؛ لأن العمل في ذلك قد يكثر فيتكرر، والمصلي يشتغل بذلك عن صلاته، ثم ليس فيه شيء سوى قضائها وطرا لا طائل تحته، ولا فائدة فيه، فالتأويل: أن الصبية لطول ما ألفته واعتادته في ملابسته في غير الصلاة، كانت تتعلق به حتى تلابسه وهو في الصلاة، فلا يدفعها عن نفسه، فإذا أراد أن يسجد وهي على عاتقه وضعها: بأن يرسلها إلى الأرض، حتى يفرغ من سجوده، وإذا أراد القيام عادت إلى مثل حالها الأولى، فصارت

<<  <  ج: ص:  >  >>