للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: (صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر) ورواه مسلم بإسناده عن أبي سفيان مولى ابن أبي يعمد أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول (صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر) ورواه أيضا بإسناده عن أبي سلمة قال: حدثنا أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين من صلاة الظهر، ثم سلم، فأتاه رجل من بني سليم ... الحديث) ورواه من طريق آخر عن أبي هريرة قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر، سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الركعتين، فقام رجل من بني سليم ...) واقتص الحديث.

ورواه أيضا بإسناده عن عمران بن حصين- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر، فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله (٩٤/أ) فقام إليه رجل يقال له: الخرباق، فكان في يده طول، فقال: يا رسول الله، فذكر له صنيعه، وخرج غضبانا يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم).

قلت: ولم نجد خلافا عن أهل العلم بالرواية أن كلا الحديثين- أعني حديث عمران وحديث أبي هريرة- في قضية واحدة، والحديث يقال له: حديث ذي اليدين، وهو خرباق السلمي، وإنما قيل له: ذو اليدين لطول فيهما، وربما قالوا: ذو الشمالين، ولعلهم أشاروا بذلك إلى ضعفهما، أو إلى قلة غنائهما، ويقال له: الأضبط، وهو الذي يعمل بيديه، ويكنى: أبا العريان، وإذ قد علمنا أن حديث عمران بن حصين وأبي هريرة هو حديث ذي اليدين، حكمنا من طريق الترجيح بأن الصلاة التي سها فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - في إحدى صلاتي العشي شاكا فيها. وقوله: (وأكبر ظني العصر) يؤيد ما ذهبنا إليه، ثم إنه روى عن خرباق السلمي إنها العصر.

وإذ قد تبين لنا أن حديث عمران بن حصين أثبت وأسلم من الشك، وجدنا ما روى عنه أنه سلم في ثلاث ركعات، أولى بالتقديم، فإن قيل: فما وجه التوفيق بين الاختلافات التي في حديث أبي هريرة، قلنا: وجه ذلك أن أبا هريرة كان شاكا في أول الأمر، ثم سمعه عمن شهد معه في تلك الصلاة، أو تذكر بعد أن نسى، فحدث به على القطع أنه العصر، أو كان متيقنا ثم اعترض له الشك بآخره: فقال: الظهر أو العصر. وأما رواية أبي سلمة عنه أنه الظهر من غير تردد، فوجه ذلك أنه روى: الظهر أو العصر، فسقط العصر عن بعض الرواة فلم يثبتها، والدليل على ذلك روايته عنه: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر) على ما روي عن غيره، ثم إنا فتشنا عن أقاويل أهل العلم في حكم هذا الحديث، فوجدنا أبا جعفر الطحاوي وأبا سليمان الخطابي- رحمة الله عليهما- قد نقرا عنه، وأشبعا القول فيه، وقد جد كل واحد منهما في تأويله على مصداق مذهبه ورفاق رأيه، ورأيت أن أحكي عن كل واحد منهما زبدة قوله.

فأما أبو جعفر، فإنه ذهب إلى أن ذلك كان قبل نسخ الكلام في الصلاة، قال: ومما يدل على نسخه

<<  <  ج: ص:  >  >>