أن يفعل كذا، مفتوحة الراء منونة: أي خليق وجدير، وهذا لا يثنى ولا يجمع، ويقال: هو حر بكسر الراء، وحرى على فعيل، ولهذا يثنى ويجمع، ومن الحرى اشتق التحري في [الأناين] ونحوهما، وهو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن، كما اشتق التقمن من القمن، فلفظ الحديث محتمل لوجهين:
أحدهما: التحري بمعنى التوخي والقصد، أي لا يقصد الوقت الذي تطلع فيه الشمس أو تغرب، ويتوخاه فيصلي فيه.
والآخر: التحري بمعنى طلب ما هو أحرى بالاستعمال، أي لا يصلي في ذلك الوقت ظنا منه أنه قد عمل بما هو الأحرى، والأول أوجه وأبلغ في المعنى المراد منه؛ لأنه دال على النهي عن الصلاة في الوقتين على الإطلاق، والثاني مشعر بالنهي عن الصلاة فيه على وجه التحري، وفي معنى الوجه الأول قوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية:(ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها).
يقال: حينت الشيء: أي جعلت له حينا، وأحينت بالمكان: أي أقمت به حينا، وحينت الناقة: إذا جعلت لها في كل يوم وقتا تحلبها، وبمعناه جاء التحين، ومنه الحديث:(تحينوا نوقكم) وقد فسر فقيل: هو أن تحلبها [٩٨ م/ب] مرة واحدة في وقت معلوم. ومعنى قوله:(لا تحينوا بصلاتكم) أي لا تجعلوا ذلك الوقت حينا للصلاة، بصلاتكم فيه، يقال: تحين الوارش إذا انتظر وقت الأكل ليدخل. وعلى هذا فالمعنى: لا تنتظروا بصلاتكم حين طلوع الشمس، ولا حين غروبها، وبين القضيتين- أعني قضية الواغل الذي يدخل إلى الطعام لم يدع إليه، وقضية من يصلي في وقت لم يؤذن له فيه- مناسبة لا تخفى على من تدبرها.
وقد جاء التحين بمعنى ترقب الحين، ومنه حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-، حين سئل عن وقت رمي الجمار؟ (قال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا).
[٧١٥] ومنه قول عقبة بن عامر في حديثه الذي يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وحين يقوم قائم الظهيرة) أي تقوم الشمس وقت الزوال. قال الأزهري: هو من قولهم: قامت به دابته أي: وقفت، ومنه قوله تعالى:{وإذا أظلم عليهم قاموا} أي وقفوا قال: وسمعت العرب تقول للدابة إذا أفلتت: قومي قومي، أي: قفي. قلت: والمعنى: الشمس إذا بلغت كبد السماء في أوان امتداد النهار في الطول لا تزول إلا بعد ريث وبطوء في مدرك الحس، فيقال: قام قائم الظهيرة، فيحسب المتأمل أنها وقفت وقفة؛ ولا وقوف لها في الحقيقة، فأحرى لفظ القيام على حسب ما يخيل إلى الناظر إليها.