وفيه (يهادى بين رجلين). أي يمشي بينهما معتمدا عليهما، يقال: جاء فلان يهادي بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله، وكذلك المرأة إذا تمايلت في مشيتها من غير أن يماشيها أحد قبل: تهادي ولعل هذا اللفظ أخذ من الهادي وهو العنق؛ لأن الماشي بين اثنين يصغي عنقه تارة إلى ذاك وتارة إلى هذا، وكذا المتمايلة في مشيتها تصغي عنقها إلى يمين وشمال.
والرجلان هما علي والعباس- رضي الله عنهما- والمشكل من هذا الحديث ما اختلف فيه من إمامة أبي بكر- رضي الله عنه- وما نقل عن بعض العلماء في تأويله، ومعارضتهم هذا الحديث بالحديث الذي تقدمه من حديث أنس وسنحكي عنهم قولهم، ثم نبذل المجهود ما أمكن في نفي التضاد.
فنقول ومن الله المعونة: أنكر جمع من أهل الحديث (نسخ حديث أنس بهذا الحديث، ورأوا العمل بالحديثين في موضعيهما، منهم: أحمد وإسحق بن راهويه ونفر من أهل الحديث) ونقل عن أبي عبد الله أحمد أنه قال: إذا ابتدأ الإمام الصلاة قائما ثم مرض في أثناء الصلاة، فقعد صلى من خلفه قياما لحديث عائشة، وإذا ابتدأ بهم الصلاة جالسا صلوا خلفه جلوسا لحديث أنس.
وقال بعضهم: إن رواية عائشة- رضي الله عنها- في هذا الحديث متعارضة فروى الأسود عنها:(أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إماما) وروى مسروق عنها (أن أبا بكر كان إماما). فلما تعارضت الروايتان، لم يجز ترك حديث أنس في القعود لحديثها، وأول بعضهم قولها:(وأبو بكر) يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. أي: يقتدي أبو بكر بصلاته أي: يختار اللبث في هيئات الصلاة بقدر طاقة النبي - صلى الله عليه وسلم - للمرض الذي كان به، واستدل على هذا التأويل بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عثمان بن العاص الثقفي- رضي الله عنه- (أنت إمام قومك واقتد بأضعفهم).
فالجواب: أن يقول: أما ما ذكروا من اختلاف الرواية عن عائشة- رضي الله عنها- فإن عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن [مسعود] والأسود رووا هذا الحديث عنها وفي حديثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم تلك الصلاة وأبو بكر يقتدي به، وعلى هذا الوجه روى عن ابن عباس- رضي الله عنهم-.