أي أنك تقوم بحفظها ومراعاتها وحفظ من أحاطت به واشتملت عليه تؤتي كل شيء ما به قوامه ويقوم على كل شيء من خلقه بما تراه من تدبيه.
وفيه (أنت نور السموات والأرض ومن فيهم) فمعناه أن كل شيء استنار منها واستضاء فبقدرتك وجودك، الأجرام النيرة بدائع فطرتك، والحواس والعقل خلقك وعطيتك وأضاف النور إلى [١٠٩/ب] السموات والأرض دلالة على سعة إشراقة وفشو إضاءته وعلى هذا النحو فسر قوله تعالى: {الله نور السموات والأرض} وذكر فيه وجهاً آخر: وهو أن يراد أهل السموات والأرض، أي يستضيئون به، وقد استغنينا بقوله:(ومن فيهن) عن هذا التأويل وقد فسر كثير من العلماء النور في أسماء الله بالمنور وجدوا في الهرب عن إطلاق هذا الاسم على الله تعالى إلا من هذا الوجه وقالوا: إن النور يضاده الظلمة وتعاقبه فتزيله وتعالى الله أن يكون له ضد أو ند.
وقال بعض العلماء معنى النور الهادي وفي هذا نظر؛ لأن إضافة الهداية إلى السموات والأرض لا يكاد يستقيم إلا بقدر محذوف ولا وجه له ههنا؛ لأن في الحديث (ومن فيهن) وإذا قيل: هادي أهل السموات والأرض ومن فيهن جعل العطف والمعطوف شيئاً واحداً وذلك غير صحيح وإذا قد علمنا أن الله تعالى سمى نفسه النور بالكتاب والسنة وقد ورد في الكتاب على صيغة الإضافة وورد في الحديث الصحيح الذي رواه أبو ذر من غير إضافة وذلك قوله: (نور أني اراه) حين سأله أبو ذر: هل رأيت ربك.
وقد أحصى أهل الإسلام النور في جملة الأسماء الحسنى وقد عرفنا من أصول الدين أن حقيقة ذلك ومعناه يختص بالله سبحانه ولا يجوز أن يفسر بالمعاني المشتركة صح لنا إطلاقه على الله بالتوقيف ونقول في بيان ما نشير إليه: إن الله تعالى سمى القمر نوراً، وسمى النبي ? نوراً في عدة في عدة مواضع على ما يذهب إليه علماء التفسير وهما مخلوقان وبينهما مباينة ظاهرة في المعنى فتسمية القمر بالنور للضوء المنتشر منه في الإبصار وتسمية النبي ? به للدلالة الواضحة التي لاحت منه للبصائر، وسمي القرآن نوراً لمعانيه التي تخرج الناس عن ظلمات الكفر وطغية الجهالة وسمي نفسه نوراً لما اختص به من إشراق الجلال وسبحات العظمة التي تضمحل الأنوار دونها ثم لما هياه للعالمين مما فصلناه في معاني النور ليجتهدوا به في عالمي الخلق والأمر وهذا الاسم على هذا المعنى لا استحقاق لغيره فيه بل هو المستحق له المدعو به {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} ونعوذ بجهه الكريم أن نكون ممن يلحد في أسمائه.