ورأيت الربع على الظلع أحرى، والتأخر عن شأو لم أدركه أحجى بعد أن كنت أرى صغو نفسي إليه، وأحس منها النزوع إلى ذلك نظرا إلى ما يقتضيه خفى الهوى، وحكم الجبلة من حب الثناء، والركون إلى الشهرة.
ولم أزل في نقد من العزيمة، وفسخ من الهمة نظرا إلى سوابقه ولواحقه، وحذرا من توابعه ورواجعه، حتى تفكرت فيما آل إليه أمر هذا الزمان من قبض علم الحديث بقبض حملته وحفاظه، وقلة اهتمام الناس بكشف معاينه وضبط ألفاظه.
ثم إني صادفت همم أهل هذه الديار لا تتعدى في طلب الحديث عن أحاديث هذا الكتاب، ورأيتهم لم يتقنوا حفظها، ولم يحسنوا وعيها، ووجدت فيها ألفاظا كثيرة محرفة عن جهة قصدها، وكان عندي طرف من العلم بها، والمعرفة بوجوهها.
فأبى حق الدين وواجب النصيحة إلا كشفها وبيانها. ثم إني تأملت فيما عدى ذلك من مشكل هذا الكتاب، وامتساس حاجة الراغبين فيه إلى معرفته، وأن مجموع ما أشكل منه- وإن وجد- متفرقا في مسانيد أئمة الحديث وكتب أرباب المعاني، وأصحاب الغريب؛ فإن الخطب في تحصيله ليس بهين عليهم؛ إذ هو مفتقر إلى أسباب كثيرة يقصر عنها مقدرة الأكثرين، فدعتني داعية الثواب، وهيجتني نية الاحتساب إلى شرح هذا الكتاب.
واستخرت الله تعالى لإسعاف ما ندبوني له فشرح لذلك صدري، واطمأن به قلبي.
فناديتهم: إخواني رعاكم الله وحياكم، ورفعكم عن حضيض العادة إلى ذروة العبادة ورقاكم: اعلموا أن علم الحديث تسمو إليه الهمم، ويمتد نحوه الأعناق، ويقف عليه الآمال. به يستكشف مبهمات الكتاب، ويستدرك حسن المآرب، وتناوله على سبيل السبك والإتقان يستدعي علوما جمة منها المطلع عليها، ويفتقر إلى أسباب كثيرة هى المرقاة إلى الوصول إليها.
وكتاب المصابيح لما فيه من أمهات السنن وجوامع الكلم يفتقر في البيان إلى سائر أنواع علم الحديث؛ ثم إنه لا يخلو عن نبذ ما سوى ما أشرنا [..... ولا ير بعضها أئمة الرواة].
ومجمل الكلم عندي (والله أعلم) أنه ألف محذوف الأسانيد فرغب عنه رجال الحديث،