الكلمة- في لغة العرب-: تقع على كل جزء من الكلام، اسماً كان أو فعلاً أو حرفاً، وتقع على الألفاظ المنطوقة، وعلى المعاني التي تحتها مجموعة؛ ولهذا تقول العرب، لكل قضية: كلمة؛ ومنه قوله تعالي:(وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا) الأنعام: ١١٥، وتقول- أيضاً- للحجة: كلمة؛ قال الله تعالى:(ويحق الله الحق بكلماته) يونس:٨٢ أي: بحججه.
وأولى ما يحمل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أعيذكما بكلمات الله التامة): أسماؤه الحسنى، وكتبه المنزلة؛ لموافقة هذا القول الألفاظ التي وردت في الحديث على معنى الاستعاذة.
ووصفها ب (التمام): لخلوها عن العوارض والنواقص، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم: أن كل كلمة على حرفين: فهي- عند العرب- ناقصة، والتامة: ما كانت على ثلاثة أحرف، وقد ١٢٧] /ب [أخبر الله تعالى أنه أراد شيئاً، فإنما يقول له كن فيكون، وكلمة (كن) ناقصة في الهجاء، فنفى عليه السلام النقص عن كلمات الله تعالى؛ قطعاً للأوهام. وإعلاماً أن حكم كلامه خلاف حكم كلام المخلوقين وإن نقص هجاؤه.
قلت: هذا وإن كان سائغاً؛ فإنه لا يخلو عن تدنق النحويين، والصحيح ما قدمناه، وبيانه: أن الناس متفاوتون في كلامهم على حسب تفاوتهم في العلم واللهجة والمهارة في وجوه الكلام، وأساليب القول، فما منهم من أحد إلا وقد يوجد فوقه آخر: إما في معنى أو في معان كثيرة، ثم إن أحدهم قلما يسلم من معارة أو خطأ أو نسيان أو عجز عن المعنى الذي يراد، أو قصور عن الأمر الذي يتكلم فيه، ونحو ذلك مما هو من سمات النقصان، وأعظم النقائص التي هي مقترنة بها أنها كلمات مخلوقة تكلم بها مخلوق مفتقراً إلى الأدوات والمخارج، وهذه نقيصة لا ينفك عنها كلام مخلوق؛ فكلمات الله سبحانه متعالية عن القوادح؛ فهى التامة التي لا يسعها نقص، ولا يعتريها اختلال.
وقد احتج أبو عبدالله أحمد بهذا الحديث على القائلين بخلق القرآن؛ فقال: لو كانت كلمات الله مخلوقة، لم يعذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها؛ إذ لا يجوز له أن يعيذ مخلوقاً بمخلوق.
واحتج -أيضاً-: بقوله: (التامة)؛ فقال: ما من مخلوق إلا وفيه نقص.
واحتجاجه بالقول الأول أقوى وأولى، لأن في القول الثاني للتوسعة والمجاز مدخلاً؛ فيقول المنازع: بل كان أراد التامة في المعنى الذي وردت: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم، رب هذه الدعوة التامة).