للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذهاباً بالضمير إلى المعنى دون اللفظ؛ لأن كل واحد منهما جملة وافية ودنانير ودراهم ويحتمل أن يراد بها الأموال، ويحتمل أنه أراد بها الفضة، واكتفى بذكر أحدهما؛ كقول القائل:

ومن يك أمسي بالمدينة رحله .... فإني وقيار بها لغريب

وبمثله ورد التنزيل؛ قال الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} التوبة:٣٤.

وفيه: (صفحت له صفائح) تصفيح الشيء: جعله عريضاً، والصفائح: ما طبعت من الحديد وغيره عريضة؛ ومنه قيل للسيف العريض: صفيحة، وللحجر العريض- أيضاً-: صفيحة، وصفاح- أيضاً- بالضم والتشديد، وصفائح الباب: ألواحه.

ومعنى الحديث: أن الدراهم والدنانير إذا لم يؤد حقها- صفحت صفائح.

وقوله: (من نار) أي: تطبع صفائح من نار يقعد عليها.

ولو قيل: إن قوله: (من نار): لبيان الجنس- لم يستقسم؛ لأن المال هي التي جعلت صفائح؛ ليعذب بها صاحبها، ثم إن الصفائح لو كانت متخذة من نار، لم يكن لقوله: (فأحمى عليها في نار جهنم) وجه.

وعلى هذا: فمفعول ما لم يسم فاعله هو الضمير الراجع إلى الذهب والفضة وصفائح: مفعول ثان.

ومن رفع (الصفائح): فإنه جعل (من نار): لبيان الجنس، ولست أحقق ذلك روايته، وإنما ذهبت إلى ما ذهبت إليه من طريق المعنى، وأتيت بالترجيح- أيضاً- من طريق المعنى، لا من طريق الرواية، وأرى الرواة بعضهم يرفعونها، وبعضهم ينصبونها، والنصب أقوى، للمعنى الذي ذكرناه، وهو موافق للنص الناطق من كتاب الله سبحانه؛ قال الله تعالى: {يوم يحمى عليها في نار جهنم} التوبة:٣٥؛ فجعل عين الذهب والفضة هم المحماة عليها في نار جهنم.

وفيه: (ومن حقها حليها يوم وردها):

قال بعض العلماء: معنى ذلك: أن يسقى ألبانها المارة ومن ينتاب المياه من أبناء السبيل، وقيل: أمر أن يحلبها صاحبها عند الماء؛ ليصيب ذو الحاجة منه؛ قال: وهذا مثل نهيه عن الجذاذ بالليل؛ إذا أراد أن يصرم بالنهار، ليحضرها الفقراء والمساكين.

وفيه: (بطح لها بقاع قرقر):

(بطح) أي: ألقى على وجهه، والضمير في قوله: (لها): يرجع إلى الإبل، والمبطوح: رب المال الذي لم يؤد زكاتها، فيبطح لها لتطأه بأخفافها.

<<  <  ج: ص:  >  >>