الإحاطة بالشيء حصرا وتعدادا. والمراد به هنا: عد الشيء للتبقية، وادخاره للاعتداد به، وترك الإنفاق منه في سبيل الله. وقوله:(فيحصي الله عليك) محتمل لوجهين:
أحدهما: أنه يحبس عنك مادة الرزق ويقلله بقطع البركة، حتى يصير كالشيء المعدود.
والآخر: أن نحاسبك عليه في الآخرة. (ولا توعى) الإيعاء: حفظ الأمتعة بالوعاء وجعلها فيه. والمراد به: أن لا تمنعة فضل الزاد عمن [١٤٩ أ] افتقر إليه (فيوعى الله عنك) أي: يمنع عنك فضله، ويسد عليك باب المزيد، وفي معناه: ما ورد في غير هذه الرواية: (ولاتوكى فيوكى عليك) وقوله: (ارضخى) يقال: رضخت له رضخا، وهو العطاء اليسير. وفي الحديث:(وقد أمرنا لهم برضخ فاقسمه بينهم) وإنما قال: (ارضخى) لما عرف من حالها ومقدرتها؛ ولأنه لم يكن لها أن تتصرف في مال زوجها بغير إذنه، إلا في الشيء اليسير الذي جرت فيه العادة بالتسامح من قبل الأزواج، كالكسرة والتمرة، والطعام الذي يفضل في البيت، ولا يصلح للخزن؛ لتسارع الفساد إليه، أو فيما سبق إليها من نفقتها وحصتها، ولهذا كانت تستفتيه فيما أدخل عليها الزبير. وفي كتاب أبي داود، أن أسماء- رضي الله عنها- قالت:(قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس لي من شيء، إلا ما أدخل على الزبير، فأعطى؟ قال: نعم، ولا توكى، فيوكي عليك).
[١٢٦٧] ومنه: حديث أبى هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد) الجنة- بالضم- ما استترت به من سلاح. والمعنى به هاهنا: الدرع. وقد رواه البخاري في بعض طرقه عن أبي هريرة بالباء، مكان النون، وهو تصحيف عن بعض الرواة لا حق به، ولا يلتبس على ذلك فهم لوجوه:
أحدهما: أن الجبة- بالباء- من حديد شيء لم يعهد ولم يعرف في كلامهم.
والآخر: أن في بعض طرق هذا الحديث عليه درعان، مكان عليه جنتان. والثالث أنه قال: قلصت أخذت كل حلقة بمكانها)، ومعنى هذا الحديث: الجواد الموفق إذا هم بالنفقة اتسع لذلك صدره، وطاوعته نفسه وانبسطت حتى قطعت بالبذل والعطاء يداه، كالذي لبس درعا، فاسترسلت عليه، وأخرج منها يديه،