للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤمن، البخل وسوء الخلق) تأويل هذا الحديث أن يقول أراد به اجتماع الخصلتين فيه مع بلوغ النهاية منهما بحيث لا ينفك عنهما ولا ينفكان عنه، ويوجد منه الرضا بهما، فأما الذي يؤنس عنه شيء من ذلك بحيث يبخل حينا، وتقلع عنه حينا أو يسوء خلقه وقتا دون وقت أو في أمر دون أمر، أو يبدر منه فيندم عليه أو يحوز نفسه أو تدعوه النفس إلى فينازعها؛ فإنه بمعزل عن ذلك، ويحمل حديثه الآخر (لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا) على نحو ما ذكرناه من المعنى في هذا الحديث، وأرى له وجها آخر وهو أن نقول: الشح خصلة غريزية جبل عليها الإنسان وهو كالوصف اللازم، ومركزها النفس، قال الله تعالى: {وأحضرت الأنفس الشح} فإذا انتهي سلطانه إلى القلب واستولى عليه عرى القلب عن الإيمان؛ لأنه يشح بالطاعة فلا يسمح به ولا يبذل الانقياد لأمر الله، والشح بما بخل مع حرص، فهو أبلغ في المنع من البخل، فالبخل يستعمل في الضنة بالمال، والشح في سائر ما تمتنع النفس عن الاسترسال فيه من بذل مال أو معروف أو طاعة، ووجود الشح في النفس الإنسان ليس بمذموم؛ لأنه طبيعة خلقها الله تعالى في النفوس كالشهوة والحرص للابتلاء أو لمصلحة عمارة العالم، وإنما المذموم أن يستولى سلطانه على القلب فيطاع.

[ومن الحسان]

[١٢٧٧] حديث أبي بكر الصديق- عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا يدخل الجنة خب) الحديث، الخب: الرجل الخداع ومعناه في الحديث الذي يفسد الناس بالخداع، ويمكر ويحتال في الأمر يقال فلان خب ضب إذا كان فاسدا مفسدا مراوغا، ومعنى قوله لا يدخل الجنة أي: لا يدخلها مع الداخلين في الرعيل الأول من غير ما بأس بل يصاب منه بالعذاب حتى يذهب [١٥٠/أ] عنه آثار الخصال، هذا هو السبيل في تأويل أمثال الأحاديث ليوافق أصول الدين وقد هلك في التمسك بظواهر أمثال هذه النصوص الجم الغفير من المبتدعة، ومن عرف القول وأساليب البيان من كلام العرب هان عليه التخلص بعون الله عن تلك الشبه، ومما ينبغي الفطن أن يقدمه في هذا الباب ليكون من التأويل على بصيرة أن يعلم أن للشارع- صلوات الله عليه- أن يقتصر في مثل هذه المواطن على القول المجمل إبقاء للخوف في نفوس المكلفين وتحذيرا لهم عما فيه المنقصة في الدين بأبلغ ما يكون من الزجر ثم يرده العلماء الراسخون إلى أصول الدين.

[١٢٧٨] ومنه: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع) الهلع: أفحش الجزع وقد هلع بالكسر فهو هلع وهلوع وحكي يعقوب رجل هلعه مثل همزة إذا كان يهلع ويجزع ويستجيع سريعا، ومعناه في الحديث أنه يجزع من شحه أشد الجزع على استخراج الحق منه، وقوله (شح هالع) أي: ذو هلع كما يقال: يوم عاصف وليل نائم، ويحتمل أيضا أن يقول: هالع لمكان

<<  <  ج: ص:  >  >>