للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكل فعل يعرف حسنه بالشرع أو يعرف بالعقل من غير أن ينازع فيه الشرع، وكذلك القول المعروف، وقد قيل الاقتصاد في الجود: معروف؛ لأنه مستحسن بالشرع، وفي العقل.

والصدقة: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة وذلك لأن عليه أن يتحرى الصدق فيها، وقد استعمل في الواجبات وأكثر ما يستعمل في المتطوع به، ويستعمل أيضا في الحقوق التي يتجافي عنها الإنسان، قال الله تعالي: {والجروح قصاص} {فمن تصدق به كفارة له} أي: تجافي عن القصاص الذي هو حقه، وقد أجرى في التنزيل ما يسامح به المعسر مجرى الصدقة، قال الله تعالي: {وان تصدقوا خير لكم} فقوله: {كل معروف صدقة} أي: يحل فعل المعروف محل التصدق بالمال، ويقع التبرع بذلك معه في القربة، فالمعروف والصدقة وإن اختلفا في اللفظ والصيغة فإنهما يتقاربان في المعني ويتفقان في الأمر المطلوب منهما وقد عرفنا الاختلاف بينهما [١٥٢] من الكتاب قال الله تعالي: {إلا من أمر بصدقة أو معروف} وعرفنا الاتفاق بينهما في المعني من السنة ومن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- كساه الله من خضر الجنة، الخضر جمع أخضر، أي من ثيابها الخضر، أقام الصفة مقام الموصوف. وأشار بذلك إلى ما في التنزيل: {ويلبسون ثيابا خضرا من سندس} وفيه (سقاه الله من الرحيق المختوم) الرحيق فيه: الشراب الخالص الذي لا غش فيه وهو صفوة الخمر، والمختوم الذي يختم أوانيه بمسك مكان الطينة، وتلك العبارة عن نفاستها وكرمها، وعليه يدل سبحانه: {ختامه مسك} وقد ذهب جمع من أصحاب المعاني إلى معنى قوله تعالي: (مسك) أي آخره؛ لأن آخر ما يجدون رائحة المسك. قالوا: والشراب يجب أن يطيب في نفسه فلما ختمه بالطيب فليس فيما يفيده ولا ينفعه طيب ختامه ما لم يطب في نفسه وكلا النوعين يستقيم، وإلى الأول ذهب أكثر المفسدين؛ لأنه مناسب لقوله: (مختوم).

قلت: وإن ذهب ذاهب إلى أن معنى الختم ههنا بلوغ الآخر، من قولهم ختمت الكتاب أي: انتهيت إلى آخره، فله وجه، ويكون المراد أنه رحيق ينتهي الشارب في شربه إلى آخره فلا يسئر منه شيئا كما يسار من الشراب الذي يشوبه الكدر ويمنع من شرب آخره السعيط. وجاء الرحيق في الحديث معرفا وهو في الكتاب منكرا؛ لأنه أراد به الرحيق الذي وعد الله عباده في كتابه فاللام فيه للعهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>