وفيه قوله:(الزائد في كتاب الله) أي: في القرآن، أو في حكم الله، وهو أن يدخل في جملته ما ليس منه، وفيه:(والمتسلط بالجبروت) جبروت: فعلوت، من التجبر، وإنما يطلق ذلك في صفة الإنسان على من يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها.
وفيه:(والمستحل لحرم الله) يريد به حرم مكة، عظم الله حرمته، ووجدت أناسا ممن لا عناية لهم بهذا العلم يضمون الحاء في (حرم الله) على أنها جمع حرمة، وهو تصحيف، ويحتمل أن يكون المراد من (المستحل) الذي يفعل فيه فعل المستحل، ويعامل عترة الرسول - صلى الله عليه وسلم - معاملة المستحل، ويجوز أن يراد به المستحل دينا واعتقادا، فإن قيل: كل من استحل شيئا حرمه الله عليه بعد بلوغ التحريم إليه كان كافرا بالإجماع، فما وجه تخصيص هذين المستحلين باللعن، إن ذهبتم إلى التأويل الأول، فما وجه لعنهما، وهما مسلمان؟
قلنا على كلا التقديرين فيه وجوه:
أحدها: أنه شدد القول في ذلك تأكيدا للحرمة، أو إلزاما للحجة، ومبالغة في الزجر، كقوله - صلى الله عليه وسلم - (لعن الله من سب والديه) فلعن المجترئ على استحلال إحدى الحرمتين، لأن احديهما شرفت باسم الله، والأخرى نسبت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -
والثاني: أن زيادة البيان والتأكيد في التحريم والمبالغة في الوصية بحفظ الشيء موجبة لزيادة العقوبة على المستحل.
والثالث: أن هاهنا اجتمع حق التعظيم وحق الحرمة، فوجب على المكلف القيام بحفظه، والاجتناب عما يخل بحرمته لمعنيين، ولا يوجد ذلك في سائر المحرمات، فغضب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتعرضه لغضب الله تعرضا بعد تعرض، ووجده مستحقا للعن فدعا عليه بالطرد والمقت في الأولى، والعقوبة في الأخرى؛ ليكون وبالا عليه، ونكالا لغيره.
وأما التارك للسنة، فهو الذي يعرض عنها بالكلية، أو الذي يترك بعضها استخفافا بها، أو قلة احتفال بها.
[٨٢] ومنه حديث عائشة- رضي الله عنها- (قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذراري المؤمنين؟ قال: من آبائهم) أي: معدودين من جملتهم؛ لأن الشرع يحكم بالإسلام/ ١٨ ب؛ بإسلام أحد الأبوين، ويأمر بالصلاة عليهم، وبمراعاة أحكام المسلمين فيهم، وكذلك حكم على ذراري المشركين بالاسترقاق، ومراعاة أحكام المشركين فيهم قبل ذلك، بانتفاء التوارث بينهم وبين المسلمين، فهم يلحقون في ظاهر الأمر بآبائهم، والله أعلم بما كانوا عاملين، وقد مر تفسير بقية الحديث فيما تقدم من الباب.