للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل فلم قالوا: وما المفردون، ولم يقولوا: ومن المفردون؟ قلنا: لأنهم فتشوا عن معرفة معنى هذا اللفظ عند الإطلاق، فإن قيل: فلم عدل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيان اللفظ إلى حقيقة ما يقتضيه؟ قلنا: توقيفا للسائل بالبيان المعنوي على الوضع اللغوي، وكان - صلى الله عليه وسلم - معنيا بإيجاز البيان، فبعد إيضاح المراد منه، اعتمد في التقرير اللفظي على أفهام السامعين، فإنهم كانوا على بصيرة من نكت هذه اللهجة وفقرها، عارفين بالكنايات التي تتداولها ألسن هذا البيان وتعتورها، فاكتفى فيه بالإشارة المعنوية إلى ما أنبهم عليهم من الكناية اللفظية.

[١٥٥٨] ومنه حديث حنظلة الأسيدي رضي الله تعالى عنه: (فإذا خرجنا عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات) المعافسة: المعالجة، والمراد منه الاستمتاع بالأزواج والأولاد، والقيام بتدبيرهم والاهتمام بعمارة الضيعات، وتشميره أخذ من العفس، وهو الحبس والابتذال أيضا، وذلك لأن المعنى بالشيء المهتم به، وتدبيره بحبس نفسه عليه ويبتذلها له. وأما قوله: (ولكن ساعة فساعة) تقديره: ولكن تكونون ساعة في الحضور فتؤدون حقوق ربكم، وساعة في الغيبة فتقضون حقوق أنفسكم. وأدخل فاء التعقيب في الثانية تنبيها على أن إحدى الساعتين معقبة بالأخرى وأن الإنسان لا يصبر على الحق الصرف، والجد المحض، بل يكون ساعة في المنشط، وساعة في المكره. وأعاد القول ثلاثا إرادة للتأكيد، وتأثير القول فيه حتى يزيل عنه ما اتهم به نفسه، وقوله: (ولكن ساعة فساعة) محتمل للترخيص وهو أظهر، ومحتمل للحث على التحفظ به لئلا تسأم النفس عن العبادة؛ وذلك مثل ما روى في الأثر: (روحوا القلب ساعة فساعة)

(ومن الحسان)

[١٥٦٠] حديث عبد الله بن يسر: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أي الناس خير؟ فقال: (طوبى لمن طال عمره وحسن عمله). قلت: إنما عدل في الجواب عن وتيرة السؤال لأن الرجل سأل عما لا يصح

<<  <  ج: ص:  >  >>