قلت: قوله: (فليفعل ما شاء). كلام يستعمل تارة في معرض السخط والنكر وطوراً في صورة التلطف والحفاوة وليس المراد منه في كلتا الصورتين الحث على الفعل والترخص فيه؛ بل التعرض والترك له والتنبيه على الردع عنه وأكثر ما يوجد ذلك في التهديد والأعراض عن المخاطب وقلة الاحتفال به وعلى هذا الوجه يأول قوله سبحانه:{اعملو ما شيءتم إنه بما تعملون بصير} وأما في هذا الحديث فإنه ورد مورد الحفاوة بالمخاطب وحسن العناية به، وذلك مثل قولك لمن توده وترى منه الجفاء: اصنع ما شيءت فليس بتارك لك. وعلى هذا المعنى يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - - في حديث حاطب بن أبي بلعتة:(لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شيءتم فقد غفرت لكم).
ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- (أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي) أي أقر لك بما أنعمت به علي وأعترف بما اجترحت من الذنب من قولهم باء بحقه أي أقر، وذا يكون أبداً بما عليه لا له قال لبيد:
أنكرت باطلها وبؤت بحقها .... عندي ولم تفخر على كرامها
[١٦٣١] ومنه: حديث أنس رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء)