للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: أعوذ بك أن تفسد أمرنا، وتنقض بعد صلاحها، كانتقاض العمامة بعد استقامتها على الرأس؛ يقال: كار عمامته: إذا لفها، وحارها: نقضها.

وقيل: نعوذ بالله منا لرجوع عن الجماعة بعد أن كنا في جماعة، وفيه نظر؛ لأن استعمال (الكور) في جماعة الإبل خاصة، وربما استعمل في البقر.

وقد روى: (من الحور بعد الكون) بالنون، ومعناه: الرجوع عن الحالة المستحسنة بعد أن كان عليها، وفي كلامهم: حار بعد ما كان.

[١٦٧٨] ومنه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان في سفر، وأسحر .. الحديث):

أسحر، أي: صار في وقت السحر، وهو قبيل الصبح، وأسحر- أيضاً-: إذا سار وقت السحر؛ وعلى الأول معنى الحديث، لأنه أعم، ثم إنه كان يقصد بذلك الشكر على انقضاء ليلته بالسلامة ويراقب فضيلة الوقت فإنه من ساعات الذكر، وهو خاتمة الليل، وأفضل أوقات التفرغ للذكر من سواد الليل وبياض النهار، والفاتحة والخاتمة، وأفضل الفاتحتين- على ما استبان لنا [من الرسول - صلى الله عليه وسلم -]- فاتحة النهار، [وأفضل] الخاتمتين: خاتمة الليل.

وفيه: (سمع سامع بحمد الله، وحسن بلائه علينا):

قيل: لفظه خبر، ومعناه أمر، أي: ليسمع، والذهاب فيه إلى الخبر أقوى، لظاهر اللفظ، والمعنى: أن من كان له سمع، فقد سمع بحمد الله فيه، وأفضاله إلينا، وأن كلا الأمرين قد اشتهر واستفاض حتى لا يكاد يخفى على ذي سمع، وأنه لا انقطاع لأحد الأمرين، وكل منهما مقترن بالآخر.

وجمع في قوله هذا بين قسمي الثناء والدعاء بأوجز ما يقال من الالفاظ، وأبلغ ما يراد من المعاني.

وأراد بـ (البلاء) النعمة، والله- سبحانه وتعالى- يبلو عباده تارة بالمضار ليصبروا، وطوراً بالمسار ليشكروا، فصارت المحنة والمحنة جميعاً بلاء، لموقع الاختبار، [والمنحة] أعزم البلاءين، لاسيما لذوي النفوس الكاملة، لأنها الموجبة للقيام بحقوق الشكر، والقيام بها أتم وأصعب، وأعلى وأفضل من القيام بحقوق الصبر.

والتفت إلى هذا المعنى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في قوله: (بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر).

<<  <  ج: ص:  >  >>