للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٧١٤] ومنه: حديثه الآخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:) اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع):

الجوع: الالم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة عن الغذاء، وضجع الرجل إذا وضع جنبه بالأرض، وضجيعه الذي يضاجعه، استعاذ من الجوع الذي يشغله عن ذكر الله ويثبطه عن طاعته، لمكان الضعف وتحليل المواد إلى بدل، وأشار بالضجيع إلى الجوع الذي يمنع عن الهجوع؛ لأنه جعل القسم المستعاذ منه ما يلازم صاحبه في المضجع؛ وذلك بالليل، وإلى التفريق الواقع بينه وبين ما يشرع له من التعبد بالجوع المبرح في نهار الصوم.

وفيه: (وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة).

الخيانة: مخالفة الحق بنقض العهد في السر، وهي نقيض الأمانة، والبطانة خلاف الطهارة، وأصلها في الثوب ثم تستعار لمت تخصه بالإطلاع على باطن أمرك، وأريد بها ههنا ما يستبطن من أمره فيجعله بطانة حاله.

ومنه: حديث أنس- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم، إني أعوذ بك من البرص والجذام والجنون وسيء الأسقام).

لم يستعذ بالله من سائر الأسقام؛ لأن منها ما إذا تحامل الإنسان فيه على نفسه بالصبر- خفت مئونته، وعظمت مثوبته، مع انصرام أيامه ووشاكة زواله، كالحمى والصداع والرمد وأمثاله، وإنما استعاذ من القسم الذي تمتد أيامه، وتدوم آثاره، فيعظم موقعه في النفوس، وينتهي بصاحبه إلى حالة ينفر منها الحميم، ويبعد عنها القريب، ويقل دونها المؤانس والمداوي، مع ما يورث من الشين، ويفسد من الخلقة:

فمنها: الجنون الذي يزيل العقل وسلبه الامن، فلا يأمن من يصاحبه القتل.

ومنها: البرص والجذام، وهما العلتان المزمنتان مع ما فيهما من القذارة والبشاعة، وتغيير الصورة، وقد اتفق المتعاطفون لعلم الطب أنهما معديان معقبان، فلذلك رأى الاستعاذة من سيء الاسقام، ولم يرغب فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>