تكون الشمس في وجوههم كأنها عمائم الرجال، وذلك بأن تقع [من] الجهة التي تحاذى وجوههم، وإنما قال: في وجوههم ولم يقل: على رءوسهم لأن الشمس إذا وجبت للغروب فواجهها الإنسان أخذت بضوئها ما قابلها به، ولم تتعد إلى ما فوقه من الرأس لانحطاطها (٣٩ ب/ج ٢) وكذلك وقت الطلوع، وإنما شبهها بعمائم الرجال لأن الإنسان إذا كان بين الشعاب والأدوية في أحد هذين الوقتين لم يصبه من شعاع الشمس إلا الشيء اليسير الذي يلمع في جبهته لمعان بياض العمامة، والظل يستر منه بقية وجهه وبدنه، فإذا نظر الناظر إليه وجد ضوء الشمس في وجهه مثل كور العمامة فوق الجبين، والمراد منه أن أهل الجاهلية كانوا يفيضون من عرفة وقد بقيت من الشمس بقية، ويدفعون من المزدلفة إلى مني وقد بدا حاجب الشمس، وسنتنا نحن أن نفيض بعد الغروب، وندفع قبل الطلوع (هدينا مخالف لهدى الأوثان والشرك)، أي سيرتنا مخالفة لسيرة عبدة الأوثان وأهل الشرك.
[١٨٢٢] ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنه، قدمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب) الحديث ... أغيلمة نصب على التفسير للضمير الذي في قوله: قدمنا.
وأغيلمة تصغير غلمة، على غير مكبره وكأنهم، صغروا أغلمة، وإن كانوا لم يقولوه، كما قالوا في تصغير الصبية أصيبية، والغلمة جمع غلام، وهو جمع القلة، وجمع كثرة غلمان. وفيه:(على جمرات فجعل يلطح أفخاذنا): جمرات جمع جمار، ويجمع الجمار على جمير، وجمر، وجمرات، وأجمرة، و (يلطح أفخاذنا) أي: يضربها ببطن كفه، واللطح بالحاء المهملة: هو الضرب اللين على الظهر ببطن الكف
وفيه:(أبيني لا ترموا الجمرة) قال بعض علماء اللغة: تصغير أبناء: أبيناء، وإن شيءت أبينون على غير مكبره، كان واحدة ابن مقطوع الألف، فصغره فقال: أبين، ثم جمعه فقال: أبينون، قال الشاعر:
من يك لا ساء فقد ساءني ... ترك أبيتيك غلى غير راع
وفي الحماسة:
يسدد أبينوها الأصاغر خلتي
حذف النون فيهما للإضافة، وقد نقل بعض أهل النقل عن أبي عبيد أنه قال: هو تصغير بني، ونقل أيضاً أنه قال تصغير ابن، وقد رد عليه بعض المتأخرين من النحاة فقال: هو خطأ، والألف في ابن للوصل، وهو مفرد، ولا يقال فيه أبنون فكيف يتصور ذلك؟ ثم قال: وعند سيبويه تصغير ابني على وزن أعمي، وهو اسم مفرد يدل على الجمع. والجموع إذا صغرت يصغر آحادها، ثم يجمع بالواو والنون إذا كان الاسم مذكراً، وبالألف والتاء إذا كان مؤنثاً، فابني إذا صغر قيل: أبين مثل أعيم، ثم يجمع أبينون.