للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غير صحيح، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر بعد الهجرة غير أربع عمر: واحدة منها عام حج، وقد أتى بهما في إحرام واحد، والثلاث البواقي كانت قبل أن حج، وقد أحببنا أن نعرف أن تقصيره هذا في أية عمرة يحتمل أن يكون، فرأيناه غير ممكن في عمرة الحديبية؛ لأنه حلق يومئذ ولم يدخل مكة، وهو محتمل في إحدى العمرتين: عمرة القضاء، وعمرة الجعرانة.

فإن قيل: كيف يقدر ذلك في عمرة القضاء، وقد نقل عن أهل العلم بالسير أنه أسلم عام الفتح؟

قلنا: وقدنقل عنه نفسه أنه قال: (أسلمت عام القضية)، وإن يك في هذا النقل وهن فلا يستبعد أن يكون حضر المروة يومئذ فرآه يقصر من رأسه، وإنما جوزنا ذلك؛ لأن في (كتاب مسلم) عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: (قصرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقصٍ أو رأيته يقصر عنه بمشقص وهو على المروة) وهذا هو الاختلاف الذي قدمنا ذكره.

وإذ قد بينا علة الحديث، وما فيه من الاختلاف، وما يورد عليه من الإشكال- فوجه ذلك عندنا أن نقول: الظاهر أن ابن عباس حسب أنه يذكر ذلك عن عام حج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال قوله في نفسه، ولم يبرزه له فإضافة القول إلى ما قد حدث به الإنسان نفسه جائز، وشواهد ذلك في كلامهم كثير، وإن يكن الأمر على خلاف بنينا عليه التأويل،: فالوجه فيه أن نقول: نسى معاوية فحسب أنه كان في حجة الوداع، ولا يستبعد ذلك ممن شغلته الشواغل، ونازعته [٤٣/أ [الدهور والأعصار في سمعه وبصره وذهنه، وكان قد جاوز الثمانين، وعاش بعد حجة الوداع خمسين سنة.

والعجب كل العجب ممن يأتي بمثل هذا الحديث مع ما فيه من الإشكال والاختلاف البين، ثم لا يتعرض لبيان ما أشكل منه، ولعل بعضهم بينه، ونفى الاختلاف عنه، ولم ينته إلينا، والله يرحمنا وإياهم.

[١٨٥٢] ومنه: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم ارحم المحلقين) قالوا: والمقصرين يا رسول الله ... الحديث):قلت: كان هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين:

إحداهما: في عمرة الحديبية.

والأخرى: في حجة الوداع.

فالتي كانت في عمرة الحديبية إنما كانت لموجدة وجدها في نفسه عليهم، وذلك أن القوم لما صدوا عن البيت وقاضاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما أرادوه- تداخلهم غضاضة وخامرهم اضطراب، إلا من عصمه الله حتى استحوذ عليهم الشيطان وارتابوا فيما لم يكن غشيهم فيه ارتياب، واستولى عليهم الضجرة حتى كادوا أن

<<  <  ج: ص:  >  >>