للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الروايات عنهم على هذا السياق. ويدل ذلك على أن الحديث خرج كذلك من معدن الرسالة؛ لتواطؤ الرواة عليه؛ فالوجه فيه التقسيم؛ لأن الشك منفي عنه، لاسيما في أخبار الديانات، وأنباء الغيب.

والمراد منه على هذا: إلا كنت شفيعا لبعضهم، شهيدا لبعضه، وقد قال في شهداء أحد: (أما هؤلاء فأنا عليهم شهيد)؛ فيحتل: أن يكون شهيدا لمن مات في زمانه، شفيعا لمن مات بعده، ويحتمل: أنه أراد أنه شهيد لمن اتقي وأحسن، شفيع لمن أساء وعصى.

فإن قيل: أو ليس يشهد لأمته؟

قلنا: يشهد على سائرهم بالبلاغ، ولا يشهد إلا لمن وفي لله بعهده، قال الله تعالى: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} فالآية تخبر عمن يشهد عليهم، والحديث يخبر عمن شهد لهم.

وإن ذهب ذاهب: إلى أن (أو) بمعني الواو؛؛ لورود الرواية - أيضا - بالواو، فالتأويل أن نقول: إنه إشارة إلى اختصاص أهل المدينة بالجمع بين الفضيلتين: الشهادة والشفاعة.

[١٩٢٣] ومنه: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه: كان الناس إذا رأوا أول الثمرة، جاءوا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أخذه قال ... الحديث):

إنما كانوا يؤثرونه بذلك على أنفسهم؛ حبا له وكرامة لوجهة المكرم، وطلبا للبركة مما جدد الله عليهم من نعمته، ويرونه أولى الناس بما سيق إليهم من رزق ربهم، وأما إعطاؤه - صلى الله عليه وسلم - أصغر وليد يراه: فإنه من تمام الشكر، والالتفات إلى وضع الشيء موضعه حيث بدا في أولية ما سيق إليه أول من هو أقرب إلى الضعف، وأبعد من الذنب، ثم إنه رأي أن يراعي المناسبة الواقعة بين الولدان وبين الباكورة، وذلك حدثان [٧٠] عهدهما بالإيداع فيخص به أصغر وليد يراه، تحقيقا لما أشير إليه من المعاني.

[١٩٢٤] ومنه: حديث أبي سعيد الخدري رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: (اللهم، إن إبراهيم حرم مكة، فجعلها حرما ... الحديث):

سمي حرم مكة حرما؛ لتحريم الله تعالى فيه كثيرا مما ليس محرما في غيره، والحرم قد يكون الحرام،

<<  <  ج: ص:  >  >>