للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (مهيعة): هي الجحفة، و (أرض مهيعة): مبسوطة، وبها كانت [٧٢] تعرف، فلما ذهب السيل بأهلها، سميت جحفة، وكانت - بعد ذلك - دارا ليهود يحلونها، ولهذا دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقل وباء المدينة إليها، فقال: (وأنقل حماها إلى الجحفة).

فلما رأي تلك الرؤيا عرف في تأويلها: أن الله تعالى قد استجاب دعوته؛ وذلك قوله: (فستأولتها أن وباء المدينة نقل إلى المهيعة)، وتأولته وأولته تأويلا: بمعني، وهو أن يفسر الشيء، بما يسئول إليه، ومنه قول الأعشي:

على أنها كانت تأول حبها ... تأول ربعى السقاب فأصحبا

والوباء: مرض عام، وأرض موبوءة: إذا كثر مرضها، والوباء يمد ويقصر، وكانت الجحفة - بعد رؤياه هذه- أكثر أرض الله وباء.

ومنها غدير خم أوخم البلاد ماء وهواء وقد ذكر عن الأصمعي؛ أنه قال: لم يولد بغدير خم أحد فعاش إلى أن يحتلم، إلا أن يتحول منها.

قلت: و (الميم من (خم) مشددة.

[١٩٢٨] ومنه: حديث سفيان بن أبي زهير الشتوي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون):

(يبسون) أي: يسوقون أخموالهم، من البس، وهو سوق لين، يقال للناقة إذا زجرت للسوق: بس بس، وبسست الناقة وأيستها: لغتان وعلى كلتيها روى الحديث.

والمراد منه: أن قوما ممن يشهد تلك الفتوح إذا رأوا إرفاق تلك البلاد، وما يدر عليهم من الارزاق - دعتهم رغدة العيش، ومال يهم حبة البلهنية إلى استيطان تلك البلاد، فيتركون المدينة، والمدينة خير لهم؛ لانها حرم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومنزل الوحى والبركات، ثم إن القوم كانوا يخرجون عنها، وبها أهلهم وعيالهم في ذات الله، وإعلاء كلمته، ويخاطرون بأنفسهم في حفظ الثغور لوجه الله، والذب عن حوزة الدين، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>