أي: هي المستحقة بأن تتخذ دار إقامة؛ فتسمي بذلك من قولهم: مدن بالمكان: إذا أقام به، وقد أشرنا إلى مثل هذا المعني في تسمية مكة بـ (البلد).
[١٩٣١]: ومنه: حديث جابر بن سمره رضى الله عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المدينة كالكير، تنفى خبثها، وتنصع طيبها.
الكير: كير الحداد -: هو البني من الطين، ويكون زقة أيضا، وقيل: الكير الزق. والكور: ما بني من الطين، وأصل الكلمة ممن الكور الذي هو الزيادة، ضموا الكاف على الأصل في أحدهما، وكسروها في الآخر؛ للفرق بين البناءين، والراد مما في الحديث: هو ما بني من الطين، وإن كانت اللغة فيهما على ما قيل؛ فالياء فيه معدولة عن الواو.
وعلى الأولى: يعني به: ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية التي تصلح للطبع، فتخلصها بما يميزه عنها من ذلك.
وعلى الثانية: يعني به الشيء الخبيث.
والمعتد به: هو الأول؛ لأنه أكثر وأشبه بالصواب؛ لمناسبته الكير، ولمساوقته المعني المراد منه. وقرن الخبث بالضمير على لفظ التأنيث؛ لأنه نزل المدينة منزلة الكير، فأعاد الضمير إليها.
واختلفوا في قوله:(ينصع طيبها) اختلافا كثيرا، وأري أسد الروايات لفظا، وأقومها معني:(وينصع) بضم الياء، وتخفيف النون؛ من قولهم [٧٤]: نصع لونه نصوعا: إذا أشتد بياضه وخلص، وأنصعه غير: على اللغة القياسية، وفي معناه: ينصع بتشديد الصاد، والرواية بالتشديد أكثر.
و (طيبها) بتشديد الياء، وفتح الباء، وقد ذكر الحافظ أبو موسى، عن صاحب (المجمع): أن صوابه: (ينصع) من الثلاثي، و (طيبها) بكسر الطاء وضم الباء، أي: يظهر طيبها، أو (ينصع) بضم حرف الاستقبال، وفتح الباء، والطاء مكسورة أيضا.
قلت: وكسر الطاء غير سديد؛ لأن فتح الطاء وتشديد الياء، هي الرواية الصحيحة فيه، وذلك أقوم معني؛ لأنه ذكر في مقابلة (الخبيث) و (ينصع) على صيغة الثلاثي: أيضا غير سديد لأنه لازم، وقد جيء