[١٩٥٦]: حديث وابصة بن معبد الأسدي - رضى الله عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا وابصة، جئت تسأل عن البر والإثم .... الحديث):
هذا الحديث يدخل في أعلام النبوة؛ لأن وابصة أتاه وقد أسر في نفسه أن يسأله عن ذلك، فلم يلبثه أن قال: جئت تسأل .... الحديث)، وقد رأى بعض أهل النظر أن الأمارة التي أشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للتميز بين الأمرين ليست من جملة [٧٩] ما يدخل في حكم العموم؛ بل هي شيء يختص بأهل النظر وأصحاب الفراسات ن ذوى القلوب السلمية، والنفوس المرتاضة.
وهذا القول وإن كان غير مستبعد - فإن القول بحمل على العموم فيمن تجمعهم كلمة التقوى وتحيط بهم دائرة الدين أحق وأهدى، ولا ضرورة بنا إلى صرف قوله إلى الخصوص، ونحن نجد لحمله على العموم مساغا.
وقد روى هذا الحديث بمعناه عن غير واحد من الصحابة، منهم النواس بن سمعان، قال: قال رسول الله (الإثم ما حاك في نفسك).
فتقول - ون الله المعونة: قد تحقق لنا من جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن وابصة لم يسأله عن أمر تبين رشده، ولا عن أمر تبين غيه؛ إذ لم يكن له في الحق الواضح والباطل الجلي أن يعدل عن قوله المفتي الذي استفتاه قلبه ونفسه، وإنما سأله عما أشكل عليه من الأمرين، واشتبه عليه من النوعين، فأحاله إلى الأخذ بما هو عن الاشتباه بمعزل؛ وذلك لان اطمئنان قلب المؤمن ونفسه إنما يكون بزوال التردد عنهما، والمؤمن إذا أخبر بالأمر المجمع عليه عن الله ورسوله؛ فمن حق الإيمان أن يطمئن إلي كل الطمأنينة، وإذا أخبر بالأمر المختلف فيه لمعني يوجب الاختلاف فمن حق الورع أن يأخذ منهما بما هو أقو وأتقي؛ فذلك الذي يزيل التردد عنه؛ فيطمئن إليه، وإذا لم يجد إلى ذلك سبيلا لاستواء الأمرين، فالترك أول به، وإن أفتاك المفتون، وهذا القول راجع في المراد منه إلى ما يرجع إليه حديث الحسن بن على - رضي الله عنه - وقد سبق القول فيه.
وقوله:(حاك في النفس) أي: أثر فيها، والحيك: أخذ القول في القلب، يقال: ما يحيك فيه الملام إذا لم يؤثر فيه.