للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٩٩٦] ومنه: حديث سهل بن أبي حثمة، وقد أورده المؤلف بعد حديث جابر - رضى الله عنه - هذا (نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر بالتمر، إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا).

وقد روى في الرخصة أنها وردت على ما يتحرج منه الرجل المسلم من خلف الوعد؛ لأنه إذا أعراها المحتاج، ثم عمل بخلاف ما كان منه، لم يكن موافيا بعهده، أو وردت على صنيع المعرى إذا أخذ البدل؛ لأنه أخذ البدل على ما لم يملكه بالقبض؛ فأشبه من باع ما لم يكن له.

وعلى هذا يجعلون لفظ (البيع) فيه مجازا، ويقولون في قول الصحابي: (إلا أنه رخص في العرايا) أنه منقطع في المعني عن الفصل الأول، وقد يقرن الشيء بالشيء، وهما في الحكم مختلفان، وذكروا في قوله: (يأكلها أهلها رطبا): أن أهل العرية ملاكها الذين عادت إليهم بالبدل.

وإنا ذكر الصحابي أنه يأكلونها رطبا؛ ليعلم أن ذلك ليس من بيع الرطب بالتمر المنهي عنه في شيء، وذكروا في حديث أبي هريرة (رضي الله عنه). الذي أورده المؤلف بعد حديث سهل بن أبي حثمة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في بيع العرايا بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق أنه ليس [٨٩] بتوقيف على ذلك المقدار؛ لاحتمال أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص فيه لقوم بلغ مقدار خرصهم في العرية هذا المبلغ؛ فحدث به أبو هريرة - رضي الله عنه على ما انتهي إليه علمه في تلك القضية، ولم يكن قوله هذا نافيا لجريان الرخصة فيما فوق ذلك. ولم يلجئهم إلى هذه المضايق إلا القول (بحمله) النهي، والهرب من قول يفضى بهم إلى تعطيل أحاديث كثيرة وردت في أبواب الربا، وفي النهي عن بيع التمر بالتمر جزافا، وعن المزابنة، وعن بيع ما لم يقبض، وغير ذلك مما لا يعسر على ذي الفهم مدركه.

<<  <  ج: ص:  >  >>