وفيه:(كلهم في النار، إلا ملة واحدة) إذا أطلق الحديث على أهل القبلة، فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - (كلهم في النار) أنهم يتعرضون لما يدخلهم النار، وذلك مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (القاتل والمقتول في النار) ومن الجائز أن يغفر الله للمقتول، فلا يدخلها، أو يدخلها القاتل ثم يخرج منها، فأشار بذلك إلى أن المقتول عرض نفسه للنار بالقصد الذي قصده، وكذلك القاتل استحق الدخول بالفعل الذي فعله، أو يكون معناه: أنهم يدخلونها بذنوبهم، ثم يخرج منها ما لم يفض به بدعته إلى الكفر برحمة الله.
[١٢٧] ويقرب من هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي يتلو هذا الحديث، وهو حديث أنس - رضي الله عنه:(ويد الله على الجماعة)، ومن شذ شذ في النار) أي: يمن عليهم - سبحانه - بالنصرة والحفظ، أو منته عليهم بالتوفيق لموافقة الجماعة، ومن شذ، أي: انفرد عن الجمهور والسواد الأعظم، فقد شذ فيما يدخله النار، أو شذ في أمر النار. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إلا ملة واحدة) يعني: إلا أهل ملة واحدة.
وفيه: قالوا: من هي يا رسول الله، قال: ما أنا عليه وأصحابي) قولهم: (من هي) لأنهم سألوه عن أهل الملة المستثنى بها. وقوله:(ما أنا عليه) لأنه كشف عما سألوه، ببيان الملة؛ لأن تعريف أهل الملة حاصل بتعريف ملتهم، وفيما ألحقه بهذا الحديث من رواية معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيخرج في أمتي قوم تجارى بهم تلك الأهواء) أي: سرت في عروقهم ومفاصلهم، فاستمرت بهم وتمادت أو ذهبت بهم تلك الأهواء في كل واد، وأكثر ما يستعمل التجاري في الحديث، يقال: تجاروا في هذا الحديث أي: جرى كل واحد مع صاحبه، وجاراه أيضا. والأهواء جمع هوى، وهو: ميل النفس إلى ما تشتهيه، ويقال: سمي بذلك لأنه يهوى بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية، وإنما قال بلفظ الجمع