للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٠٩٦] ومنه: حديث صفوان بن أمية- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أدرعا يوم حنين ... الحديث) اختلف العلماء في العارية: هل هي مضمونة أم غير مضمونة؟ وقد سبقهم الصحابة بالخلاف فيها، ممن لم ير فيها الضمان على وابن مسعود- رضي الله عنهما- وقد قضى بذلك شريح ثمانين سنة بالكوفة.

وتأويل حديث صفوان عند من لا يرى الضمان فيها: أنه أراد بالمضمونة ضمان الرد لا ضمان العين، على أن هذا الحديث قد روى من غير طريق، ولم يذكر (مضمونة) في بعضها، وفي بعضها: (بل عارية مؤداة) وقد وردت في بعض الروايات: (بل عارية ومضمونة) وهذه الرواية تدل على أن الضمان وصف زائد على العارية. والوجه في ذلك أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - تلفظ بها تسكيناً لما به وتألفاً له، فإنه كان يومئذ مشركاً، وقد أخذ بمجامع قبله الحمية الجاهلية، هذا ونحن قصدنا بيان تأويل الحديث عند من لا يرى الضمان فيها، فأما أدلة المختلفين فيها، فإن لهم كتباً قد أفردت لها- والعارية تشدد ياؤها، وذكر أهل اللغة أنها منسوبة إلى العار؛ لأنهم رأوا طلبها عاراً وعيباً. قال الشاعر:

إنما أنفسنا عارية .... والعوارى قصار أن ترد

والعارة: مثل العارية، وقد ذكر بعض أهل العلم في اشتقاقها، إنها من التعاور، وهو التداول ولم يبعد، وقد جاء في كلامهم المستعار بمعنى المتعاور، وقد ذكر فيها بعض الفقهاء أن العرية والعارية يتماثلان في الاشتقاق، ولم يصب فيه، فإن العرية من باب الناقص، والعارية من الأجوف.

[٢٠٩٧] ومنه: حديث أبي أمامة رضي اله عنه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (العارية مؤداة .. الحديث) أي: تؤدى إلى أصحابها، ثم إن العلماء يفترقون في تأويله على حسب اختلافهم في الضمان [٥٢/ أ] فالقائل بالضمان، يقول: تؤدى عيناً حال القيام، وقيمة عند التلف، وفائدة التأدية عند من [لا] يرى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها. وفيه: (والمنحة مردودة) المنحة: ما يمنحه الرجل صاحبه من ذات در ليشرب درها، أو شجرة ليأكل ثمرها، أو أرض ليزرعها، وقد سبق تفسيرها، وفي قوله: (مردودة) إعلام بأنها تتضمن تمليك المنفعة لا تمليك الرقبة، وفيه: (والزعيم غارم) أي: الكفيل ملزم نفسه ما ضمنه، والغرم: أداء الشيء يلزمه، وقد فسرناه فيما قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>