وحديث جابر أورده المؤلف في أول الحسان من هذا الباب، وهو حديث حسن. ووجدت بعض أهل العلم قد رماه بالوهن في كتابه من جهة عبد الملك بن أبي سليمان، وتفرده به وزعم أنه لين الحديث، وجعل سناد قوله كلاماً نقله الترمذي في كتابه عن الشفعة في رواية عبد الملك هذا الحديث، ولم يصب في ذلك؛ فإن أحاديث الثقاة لا ترد بوهم واهم. والعجب أنه ذكر ذلك، وترك ما أثنى به الترمذي عليه عقيب ذلك، فمن ذلك قوله: وعبد الملك هو ثقة المأمون عند أهل الحديث، لا نعلم أحداً تكلم فيه غير شعبة، من أجل هذا الحديث. منه أنه ذكر عن سفيان الثوري أنه قال: عبد الملك بن أبي سليمان ميزان. يعني: في العلم، وعلى هذا فالصواب في تأويل حديث جابر ما قدمناه ليتفق حديثه الآخر، ولا يضرب أحدهما بالآخر.
[٢١٠٠] ومنه حديث أبي رافع- رضي الله عنه- سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(الجار أحق بسقبه). السقب- بالتحريك القرب. يقال: سقبت داره- بالكسر- أي: قربت. والسقب من الكلمات التي يتكلم بها العرب بالسين والصاد، والصاد في أشهر اللغتين. قال الشاعر.
لا أمم دارها ولا صقب
وقد قال الخطابي في المعالم: يحتمل أن يكون أراد به البر والمعونة، وما في معناهما. ورحم الله أبا سليمان، فإنه لم يكن جديراً بهذا التعسف، وقد علم أن الحديث قد روي عن الصحابى في قضية صار البيان مقترناً به، ولهذا أورده علماء النقل في كتب الأحكام في باب الشفعة، وأولهم وأفضلهم البخاري، ذكره بقصته، عن عمرو بن الشريد أنه قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة، فوضع يده على إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا سعد، ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله، ما أبتاعهما، فقال المسور: والله لتبتاعنهما، فقال سعد: والله، لا أريدك على أربعة آلاف منجمة، أو مقطعة. قال أب رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(الجار أحق بسقبه) ما أعطيتكها بأربعة آلاف، وأنا أعطي بها خمسمائة دينار، فأعطاه إياه.
قلت: قوله: بيتي في دارك. أي: في محلتك، أو في جنب دارك. وحمل بعضهم:(في دارك) على أن البيتين كانا في دار سعد، وكان هو وأبو رافع شريكين في حق البيع. والوجهان اللذان قدمناهما أشبه