كرى الأرض، حتى أفضى بهم إلى التقاتل، فقال النبي- عليه السلام: إن كان هذا شأنكم، فلا تكروا المزارع، وقد بين ذلك زيد بن ثابت في حديثه، وفي البعض أنه كره أن يأخذ المسلم خرجاً معلوماً من أخيه على الأرض ثم تمسك السماء قطرها، أو تخلف الأرض ريعها، فيذهب ماله بغير شيء، فيتولد منه التنافر والبغضاء، وقد تبين ذلك من حديث ابن عباس:(أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنه، ولكن قال ... الحديث).
والضمير في قوله:(عنه) عائد إلى الزرع في أرض غيره.
[٢١١٢] ومن حديث جابر: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت له أرض فليزرعها .. الحديث) وذلك من طريق المروءة والمواساة، وفي البعض أنه كره لهم الافتتان بالحراثة والحرص عليها، والتفرغ لها، فيقعهد بهم عن الجهاد في سبيل الله، وتفوتهم الحظ عنه الغنيمة والفئ، ويدل عليه حديث أبي أمامة ورأى سكة وشيئاً من آلة الحرث، فقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:(لا يدخل هذا بيت قوم إلا دخله الذل).
السكة: الحديدة التي يحرث بها الأرض.
قلت: إنما جعل آلة الحرث مظنة للذل، لان أصحابها يختارون ذلك، إما لجبن في النفس، أو قصور في الهمة، ثم إن أكثرهم ملزمون بالحقوق السلطانية في أرض الخراج، ولو آثروا الجهاد لدرت عليهم الأرزاق، واتسعت عليهم المذاهب، وجبى لهم الأموال، مكان ما يجبى عنهم، فهذه جملة القول في تلك الاحاديث. وقد أطلق القول ببطلان المزارعة الاكثرون من أصحاب المذاهب، ونحن نرى التسليم لهم فيما هم بصدده، وإنما تكلمنا في التوفيق بين تلك الأحاديث إلى ما انتهى إليه فهمنا، ومن الله المعونة في الإصابة.
(ومن الحسان)
[٢١١٤] حديث: رافع بن خديج- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من زرع في أرض قوم بغير