ورابعها: أنه أراد أن الشيطان يصيبها بعينه، فتصير من الخبيثات، بعد أن كانت من الطيبات، من قولهم: استشرفت إبلهم. أي: تعينتها. هذا الذي اهتدينا إليه من البيان. والعجب ممن يتصدى لبيان المشكل وتفسير الغريب ثم يمر على مثل هذا القول غير مكترث به، وربما تدتق في تقدير ظاهر من القول. ولقد فتشت أمهات الكتب التي صنفت في هذا الفن عن بيان هذا الحديث، فلم أصادف أحداً منهم تعرض له بكلمه، فلعلهم غفلوا عنه، أو حبسوه من الواضح الجلى، ونحن استبهناه، فاجتهدنا فيه مبلغ علمنا في الاستكشاف.
[٢٢٣٦] ومنه: حديث أم سلمة- رضي الله عنها-: (أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وميمونة، إذ أقبل ابن أم مكتوم .. الحديث) وميمونة معطوفة على اسم (كان) ويجوز فيها لجر [٦٥ ب] معطوفة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرع بهذا الحديث أن ليس للنساء أن يرمين بأبصارهن إلى الرجال من غير ذوي المحارم قصداً، لما يتوقع فيه من الفتنة، ويتوقى عنه من الفساد، وأنهن لسن في فسح من ذلك، كما أنا لرجال ليس لهم ذلك، وإن كان الأمر من حقهم أشد وآكد؛ لأن العلة في النهي عن النظر إليهن غير واحدة، فإن قيل: كيف التوفيق بين هذا الحديث وبين حديث عائشة- رضي الله عنه- (كنت أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في المسجد).
قلنا: نرى أن ذلك كان قبل نزول الحجاب، ويحتمل أنها كانت يومئذ لم تبلغ الحلم، ويحتمل أن كلا الامرين وجد هنالك.